للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم استعمال القطران في آنية الشرب

[السُّؤَالُ]

ـ[في بلدي يستعمل الناس مادة " القطران " في آنية الشرب، هل هو مكروه لأنه يضر بالملائكة؟ وما علاقته بالجن؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

القطِران: طلاء يُستخرج من حرق الحطب، وكانت العرب تستعمله لطلاء ماشيتها؛ حمايةً لها من البَرد، والحشرات، ودواءً لها من الجرَب، كما يُستعمل في طلاء الآنية، ويسمَّى " القار " و " الزفت "، وقد جاء النهي عن الانتباذ في الآنية التي تُطلى به؛ لما يكون معه تغير الطعم بسببه، وقد يصل لحد الإسكار،. ومعنى الانتباذ: أن يوضع الزبيب، أو التمر – مثلاً - في الماء، في ذلك الإناء، ويشرب نقيعه، وقد جاء في الأحاديث الصحيحة باسم " المُقيَّر " و " المُزفَّت ".

عَنْ أَبِى جَمْرَةَ قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ لِي نَبِيذٌ، فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ إِنْ أَكْثَرْتُ مِنْهُ، فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ، فَأَطَلْتُ الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ فَقَالَ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لهم: (وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ فِى الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُزَفَّتِ – وفي رواية (والمُقيَّر) -) .

رواه البخاري (٥٣) ومسلم (١٧) .

الحنتم: الجرار الخضر المدهونة أو المصنوعة من الخزف.

الدباء: القرع – اليقطين – إذا يبس اتخذ وعاء.

المزفت: الإناء المطلى بالزفت

النقير: أصل النخلة ينقر وسطه ويجوف فيتخذ منه وعاء.

قال النووي – رحمه الله -:

وأما المُقَيَّر: فهو المزفَّت، وهو المطلي بالقار، وهو الزفت، وقيل: الزفت نوع من القار، والصحيح: الأول؛ فقد صح عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: المزفَّت هو المقيَّر.

" شرح مسلم " (١ / ١٨٥) .

وقال – رحمه الله -:

وأما معنى النهى عن هذه الأربع: فهو أنه نهى عن الانتباذ فيها، وهو أن يجعل في الماء حبات من تمر، أو زبيب، أو نحوهما؛ ليحلو، ويُشرب، وإنما خُصت هذه بالنهى لأنَّه يسرع إليه الإسكار فيها، فيصير حراماً نجساً، وتبطل ماليته، فنهى عنه؛ لما فيه من إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره من لم يطلع عليه.

" شرح مسلم " (١ / ١٨٥) .

ثم صحَّ نسخ هذا النهي إلى الإباحة، على قول جمهور أهل العلم، على أن ينتبه المنتبذ أن لا يصل النبيذ إلى درجة الإسكار بطول المكث.

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (نَهَيْتُكُمْ عَنِ النَّبِيذِ إِلَاّ فِي سِقَاءٍ، فَاشْرَبُوا فِي الأَسْقِيَةِ كُلِّهَا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا) . رواه مسلم (٩٧٧) .

وفي لفظ: (كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ الْأَوْعِيَةِ فَانْتَبِذُوا فِيمَا بَدَا لَكُمْ وَإِيَّاكُمْ وَكُلَّ مُسْكِرٍ) .

رواه النسائي (٥٦٥٤) وابن ماجه (٣٤٠٥) ، وصححه الألباني في " صحيح النسائي ".

قال النووي – رحمه الله -:

ثم إن هذا النهي كان في أول الأمر، ثم نسخ بحديث بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في الأسقية، فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكراً) رواه مسلم في الصحيح.

هذا الذي ذكرناه من كونه منسوخاً: هو مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء، قال الخطابي: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل، قال: وقال قوم: التحريم باقٍ، وكرهوا الانتباذ في هذه الأوعية، ذهب إليه مالك، وأحمد، وإسحاق، وهو مروي عن ابن عمر، وابن عباس رضي الله عنهم.

" شرح مسلم " (١ / ١٨٥، ١٨٦) .

قال ابن القيم – رحمه الله -:

وسر المسألة: أن النَّهي عن الأوعية المذكورة من باب سدِّ الذرائع، إذِ الشرابُ يُسرع إليه الإسكارُ فيها. وقيل: بل النهي عنها لصلابتها، وأن الشراب يُسكر فيها، ولا يُعلم به، بخلاف الظروف غير المزفَّتة، فإن الشرابَ متى غلا فيها وأسكر: انشقت، فيُعلم بأنه مسكر، فعلى هذه العِلَّة يكون الانتباذ في الحجارة، والصُّفر: أولى بالتحريم، وعلى الأول: لا يحرم، إذ لا يُسرِعُ الإسكار إليه فيها كإسراعه في الأربعة المذكورة، وعلى كلا العِلَّتين: فهو من باب سدِّ الذريعة، كالنهى أولاً عن زيارة القبور سدّاً لذريعة الشِّركِ، فلما استقر التوحيدُ في نفوسهم، وقويَ عندهم: أذِن في زيارتِها، غير أن لا يقولوا هُجراً، وهكذا قد يقال في الانتباذ في هذه الأوعية: أنه فطمهم عن المسكر، وأوعيته، وسدَّ الذريعة إليه؛ إذ كانوا حديثي عهدٍ بشربه، فلمَّا استقر تحريمُه عندهم، واطمأنت إليه نفوسُهم: أباح لهم الأوعية كُلَّها، غير أن لا يشربوا مسكراً، فهذا فِقه المسألة، وسِرُّها.

" زاد المعاد في هدي خير العباد " (٣ / ٦٠٧) .

وبما سبق يُعرف الجواب عن مسألتك الأولى، وأنه لا حرج عليكم من الشرب من آنية طليت بالقطران، على أن تنتبهوا حين يكون الشراب نبيذاً يطول مكثه، أو ما يشبهه من العصائر التي يمكن تخمرها.

ولا علاقة للقطران بالجن، ولا بالملائكة، ولم نقف على شيء من المنع من استعمال تلك الآنية لغير ما سبق ذِكره، ثم جاء النص بالإباحة، والذي نعتقده أن ما ذكرته إنما هو من اعتقادات العامة المبنية على الجهل والخرافة.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>