للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تكرر رفض وليها للخطّاب فهل تزوج نفسها

[السُّؤَالُ]

ـ[أنا معلمة سني ٣١ سنة أعمل بالتربية والتعليم منذ أول ١٩٩٦ وفي آخر ١٩٩٧ تقدم لي في المدرسة زميل، وطلب منى التقدم لخطبتي، فطلبت منه الانتظار لحين زواج أختي الكبرى. وبعد زواجها عام ٢٠٠٠ تقدم هذا المعلم لخطبتي في المنزل، ولكن أبي رفض رغم موافقة والدتي، بحجة أنها أمامها دراسات عليا واحتمال تعينها في الجامعة كمعيدة، وكذلك تم رفض العديد من المتقدمين خلال هذه الفترة، والسبب أنه بعد العمل بالجامعة سيأتي من هم أفضل من هؤلاء (من المهن التي رفضت مهندس، وغيرها) . وفي عام ٢٠٠٢ تم تعيني بالجامعة كمعيدة، وتقدم آخرون، ولكن كان الرفض أيضاً لأسباب مختلفة، وكان سبب الرفض الذي يقال للمتقدمين أنها مشغولة بالدراسات العليا ... منها طبيب بحجة طامع في مرتبك. ـ وتقدم لي المدرس التي تقدم أول مرة، ورغم إعلاني بموافقتي التامة إلا أن أبي رفض بحجة اختلاف المهن (مدرس ـ معيدة) ، رغم أن يتناسب معي علمياً حيث أنه يستكمل دراساته العليا في نفس المجال، ويتناسب معي ثقافياً واجتماعيا، كما أنه متيسر مادياً وعلى خلق ودين. ـ ومنذ ٢٠٠٣ حتى الآن آخر ٢٠٠٦ لم يتقدم أحد سوى هذا الشخص الذي مازال متمسكا بالزواج مني، وأنا أرغب في الزواج منه، وأخبرني أبي أنه من الأفضل أن أبقى بلا زواج، أفضل من الزواج من مدرس، بحجة أنني أعمل في وظيفة مضمونة ولي دخل كبير وغير محتاجة للزواج، إلا إذا جاءت الفرصة المناسبة، والتي تتمثل في مهن معينة قليلة بشروط مادية معينة، وهو جاد في هذا، وهذا يسبب لي ضرراً نفسياً بالغاً، حيث إنني لا أرى طموحي في العمل بل في تكوين أسرة. والسؤال: ـ فهل يحق لي تزويج نفسي به بدون علم الولي؟ وهل يعتبر غير كفء لي، أفيدوني يرحمكم الله أرجو تفصيل الرد وجزاكم الله خيراً.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

لا يجوز النكاح ولا يصح إلا بولي، في قول جمهور الفقهاء، لقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي " رواه أبو داود (٢٠٨٥) والترمذي (١١٠١) وابن ماجه (١٨٨١) من حديث أبي موسى الأشعري، وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

وقوله صلى الله عليه وسلم: " لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل " رواه البيهقي من حديث عمران وعائشة، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم ٧٥٥٧

وقوله صلى الله عليه وسلم:" أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له " رواه أحمد (٢٤٤١٧) وأبو داود (٢٠٨٣) والترمذي (١١٠٢) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (٢٧٠٩) .

وولي المرأة: أبوها، ثم أبوه وإن علا، ثم ابنها وابنه وإن سفل (هذا إن كان لها ولد) ، ثم أخوها لأبيها وأمها، ثم أخوها لأبيها فقط، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم العمومة، ثم أولادهم وإن سفلوا، ثم عمومة الأب، ثم السلطان. (المغني ٩/٣٥٥)

ولكن إذا تكرر رفض الولي للخاطب الكفؤ، اعتبر عاضلا لموليته، وسقطت ولايته بذلك، وانتقل الحق إلى من بعده من العصبات.

ثانيا:

الكفاءة المعتبرة هي الكفاءة في الدين، فلا فرق بين عربي ولا عجمي، ولا أحمر ولا أبيض إلا بالتقوى. واعتبر بعض الفقهاء شروطا أخرى في الكفاءة، كالنسب، وغيره، وكون الخاطب مدرسا وأنت معيدة، لا يعني أنه غير كفؤ لك، ما دام على خلق ودين ومتيسر ماديا كما ذكرت.

ثالثا:

الذي نراه هو معاودة نصح الوالد، والاستعانة في ذلك بمن له قبول عنده من قريب أو صديق، فإن رضي تزويجك بهذا الخاطب، فهذا هو المراد، وإلا فاعرضي الأمر على من بعده من الأولياء حسب الترتيب السابق، فإن أبى تزويجك، أو حصل نزاع بين الأولياء، فارفعي الأمر إلى القاضي، ويتولى هو تزويجك.

رابعا:

إن من أعجب العجب ما يفعله هذا الولي، وأشباهه، من تحويل بناتهم إلى سلع تجارية لمن يدفع أكثر، أو لمن يكون أيسر يدا من الآخر، ثم أعجب من ذلك أن يزعم أنها ليست بحاجة إلى الزواج!! فماذا يفهم من الحاجة هذا المسكين، ألم يعلم حاجة النفوس إلى السكن، والمودة والرحمة، وحاجة النفوس الطبيعية التي غرسها الله فيها، لحكمه البالغة، سبحانه. فعلى ولي المرأة أن يتقي الله تعالى، وأن يعلم أن منع ابنته أو أخته من الزواج بالكفء الذي رضيته، يعتبر ظلما وعدوانا، يوجب فسقه وسقوط عدالته وردّ شهادته.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه، وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها، أن يزوجها، لأن له ولاية عامة، ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة.

وقد ذكر الفقهاء رحمهم الله أن الولي إذا تكرر رده للخاطب الكفء فإنه بذلك يكون فاسقا، وتسقط عدالته وولايته، بل إنه على المشهور من مذهب الإمام أحمد تسقط حتى إمامته، فلا يصح أن يكون إماما في صلاة الجماعة في المسلمين، وهذا أمر خطير!!

وبعض الناس كما أشرنا إليه آنفا يرد الخطاب الذين يتقدمون إلى من ولاه الله عليهن، وهم أكفاء.

ولكن قد تستحي البنت من التقدم إلى القاضي لطلب التزويج، وهذا أمر واقع، لكن عليها أن تقارن بين المصالح والمفاسد، أيهما أشد مفسدة: أن تبقى بلا زوج، وأن يتحكم فيها هذا الولي على مزاجه وهواه، فإن كبرت وبرد طلبها للنكاح زوجها، أو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج، مع أن ذلك حق شرعي لها.

لا شك أن البديل الثاني أولى، وهو أن تتقدم إلى القاضي بطلب التزويج لأنها يحق لها ذلك؛ ولأن في تقدمها للقاضي وتزويج القاضي إياها مصلحة لغيرها، فإن غيرها سوف يقدم كما أقدمت، ولأن في تقدمها إلى القاضي ردعا لهؤلاء الظلمة الذين يظلمون من ولاهم الله عليهن لمنعهن من تزويج الأكفاء.

أي أن في ذلك ثلاث مصالح:

مصلحة للمرأة حتى لا تبقى بلا زواج.

مصلحة لغيرها إذ تفتح الباب لنساء ينتظرن من يتقدم ليتبعنه.

منع هؤلاء الأولياء الظلمة الذين يتحكمون في بناتهم أو فيمن ولاهم الله عليهن من نساء، على مزاجهم وعلى ما يريدون.

وفيه أيضا مصلحة إقامة أمر الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: " إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير".

كما أن فيه مصلحة خاصة وهي قضاء وطر المتقدمين إلى النساء الذين هم أكفاء في الدين والخلق) انتهى، نقلا عن فتاوى إسلامية ٣/١٤٨) .

نسأل الله تعالى أن يوفقك لما فيه الخير والصلاح والفلاح.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>