من مآسي المسلمين في الدول الغربية
[السُّؤَالُ]
ـ[لا يخفى على فضيلتكم انتشار الصحوة الإسلامية المباركة وبالأخص في صفوف الفتيات المسلمات، وحيثُ إننا نعيش في بلد غير إسلامي (أوروبي) لذلك نجد صعوبة في تطبيق أحكام الإسلام، فمِن حينٍ لآخر نجد بعض الصعوبات، فمرة بالاستهزاء بالقرآن، ومرة بإلصاق الإعلانات في الأماكن العامة وقد صوروا عليها فتاة مسلمة وكتبوا تحتها عبارة (هل تريدين غطاء الرأس؟ نحن نظن أنك لا تريدين) ، وآخرها: القرار الصادر من الحكومة بمنع ارتداء النقاب كليّاً، ودفع مبلغ ١٥٠ يورو لمن ترتديه، وفي الآونة الأخيرة أصبح في الأمر صعوبة كبيرة على الأخوات؛ لأن الأمر قد تعدى العقوبة المالية إلى ممارسة بعض التصرفات العنصرية من قبل رجال الشرطة، وذلك مثل الاستهزاء والسخرية، وأحياناً يتم إجبارهن على رفع النقاب أمام الرجال، ولا ننسى الموقف المُشين والصورة الغير لائقة للفتاة المُتنقبة أمام أعين الناس ورجال الشرطة يلتفون من حولها وكأنها ارتكبت جريمة، ولا حول ولا قوة إلا بالله، أما بالنسبة لموقف الأخوات من هذا القرار فبعضهن انهمكت في الاتصال بالمشايخ لعلها تظفر بفتوى تُبيح لها كشف وجهها، وبالفعل وجدن من أفتى لهن بأن في الأمر خلافاً بين العلماء وأنتن في ضرورة ولا بأس بنزعه، والبعض الآخر لازلن محاصرات في بيوتهن ينتظرن رحمة رب العالمين.
فضيلة الشيخ
وحيثُ إنني ولدتُ وقضيتُ كل عمري في هذا البلد لذلك معذرة دعني أصارحك القول أن الإقامة في بلد الكفر تحمل في طياتها أسراراً لا يعلمها إلا من عاشها واقعيّاً.
فضيلة الشيخ
والله الذي لا إله غيره إن المسلمين في بلاد الكفر يعيشون في ذُل ومهانة وضياع لا يعلمه إلا الله وحده، فكم من البيوت انهارت، وكم من الأبناء لا يعرفون من الدين إلا اسمه، بل وصل الأمر إلى بيع بناتنا المسلمات إلى تجار الرقيق وإرسالهن إلى بعض دول أوروبا الشرقية، وذلك ليتم استعمالهن في ممارسة البغاء، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ولقد استمعتُ يوماً من الأيام إلى رئيس قسم الأمراض المعدية - وهو عربي الجنسية - حيثُ صرح بأنه يوجد عدد ٤٠٠٠ أربعة آلاف من الفتيات المسلمات وبأعمار مختلفة يشتغلن في ممارسة الزنا وبأوراق رسمية، وهذا الإحصاء في مدينة واحده فقط!! وللأسف الشديد حتى ممن يوصفون بالتدين وجدوا أنفسهم بين فكي الأسد، فالأموال اختلطت بالربا، والأبناء لا يتكلمون اللغة العربية، وصلاة الجمعة تصلى ظهراً في المصانع الخ! ، ولا أقول هذا عن طريق سماع الأخبار، بل ما نراه بأعيننا، وهذا قليل من كثير، والله إن القلب ليتفطر من شدة ما نسمع ونرى وما وصلنا إلى هذا المستوى الذي نراه اليوم إلا عندما خالفنا شرع ربنا ورضينا بالعيش معهم من أجل دراهم معدودة إلا من رحم الله من الذين لهم العذر في البقاء، وفي المقابل هناك عدد من العائلات اجتهدوا في الهجرة إلى بلاد الإسلام وهم الآن يعيشون في رغد من العيش والله خير الرازقين.
فضيلة الشيخ
جزاك الله خيراً يوم علمتنا أن نكون مُتفائلين لا متشائمين، ولكن هذه هي الحقيقة المرة التي لا مفر منها، وحتى نكون منصفين فالحمد لله الإقبال على الإسلام كثير وبالأخص في صفوف المسلمين الجدد، فالحمد لله على نعمته وفضله.
فضيلة الشيخ
ما نريده من فضيلتكم ولكم الأجر من الله سبحانه وتعالى:
١. تقديم النصيحة للفتيات المسلمات بالتمسك بحجابهن، وعدم تعلقهن بالفتاوى الواهية التي تفتح لهن أبواب الشر.
٢. تشجيع الشباب على الهجرة وعدم الركون إلى الدنيا؛ لأن كثيراً منهم - أو أغلبهم - كان سبباً في بقاء زوجته وأبنائه وتعرضهما إلى هذه المصائب، علماً بأن كثيراً من الإخوة لم يهاجروا بعد وذلك بحجة جمع المال الكافي الذي يمكنهم من القيام بمشروع تجاري في البلد الذي سيهاجرون إليه، فكم المبلغ المطلوب جمعه؟ ومتى سيُجمع؟ .
٣. تقديم النصيحة للأخوات اللواتي يُكثرن الخروج من البيت لغير ضرورة، وبالأخص في مثل هذه الظروف الحرجة.
٤. تقديم النصيحة للإخوة الذين يطلبون من زوجاتهم كشف الوجه بالقوة أمام بعض الإدارات بحجة أن الأمر فيه ضرورة، فما هو الحكم الشرعي في طاعة الزوج في هذا الأمر؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا شك أن مآسي المسلمين والمسلمات في كثير من دول الكفر كثيرة، وحالهم في تلك الدول يُفطِّر القلب، ويُدمع العين.
وكلنا نسمع ونقرأ ما يتعرضون له من مضايقات، وبخاصة النساء، وقد بان زيف هذه الدول التي تدَّعي الحضارة والحرية، فراحوا يضيقون على المسلمين في وظائفهم وبيوتهم، وعلى النساء في حجابهن وعملهن، فأطلقوا الحريات في زواج المثليين، والشذوذ الجنسي، وحرية الإساءة للإسلام وأهله، وضيَّقوا على المسلمين في شعائرهم وشرائعهم.
والواجب على كل من قدر على الخروج من تلك الديار أن لا يقصِّر في ذلك، قبل أن يأتي يوم يندم فيه على تفويت الفرصة، ولا يملك حتى نفسه ليخرج بها، وذلك بعد أن يضِيع أولاده في خضم تلك الحضارة الزائفة الخارجة عن كل خلق وفضيلة، فيعيش سنين حياته يعمل ويكد ويجتهد، ثم يسلِّم أولاده للشارع والكنيسة، خسر الدنيا والآخرة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
الإقامة في بلاد الكفار خطر عظيم على دين المسلم، وأخلاقه، وسلوكه، وآدابه، وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به، رجعوا فُسّاقًا، وبعضهم رجع مرتدًا عن دينه وكافرًا به وبسائر الأديان - والعياذ بالله - حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين، ولهذا كان ينبغي بل يتعين
التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهويّ في تلك المهالك ... .
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله، وهو يشاهد ذلك بعينه ويسمعه بأذنيه ويرضى به، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم؟! انتهى.
وانظر تتمة هذا الكلام للشيخ – رحمه الله – في جواب السؤال رقم (٢٧٢١١) ففيه تفصيل مسألة الإقامة في دول الكفر.
ثانياً:
لا يجوز للمرأة المسلمة التنازل عن عفافها وحجابها أمام تلك المغريات الفاسدة الزائلة، ولا يزال شياطين الإنس والجن يزينون للمرأة الانخراط في سلك الغاوين، فمن تبعهم زينوا الدنيا في ناظريه، وأبعدوه عن التفكير في القبر والآخرة ولقاء الله تعالى.
وللأسف أن يساهم بعض مفتي الفضائيات في نزع المرأة حجابها بحجة الدراسة أو العمل، ولا خير في دراسة وعمل يسبب غضب الرب تبارك وتعالى وسخطه، وأي متاع دنيوي ستحوزه المرأة بشهادتها أو راتبها، وهي تعلم أنه على حساب ثواب الآخرة ورضا الله تعالى، فلا يرضى بهذا إلا مَنْ زُيِّن له سوء عمله فرآه حسناً.
ولا يجوز للمسلمة أن تكشف عن وجهها فضلاً أن تكشف عن شعرها، ولو بحجة الدراسة أو العمل، وما عند الله خيرٌ وأبقى، ويجب على كل مسلم أن يسارع في الخروج من تلك الظلمات، وعلى العلماء أن يعينوا الأسر المسلمة على دينها وطاعة ربها بدلاً من إعانتهم على تكوين ثرواتهم وعبادة الدرهم والدولار!
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لا يجوز لكِ ولا لغيركِ من النساء السفور في بلاد الكفار، كما لا يجوز ذلك في بلاد المسلمين، بل يجب الحجاب عن الرجال الأجانب سواء كانوا مسلمين أو كفاراً، بل وجوبه عن الكفار أشد؛ لأنه لا إيمان لهم يحجزهم عما حرم الله.
ولا يجوز لكِ ولا لغيركِ طاعة الوالدين ولا غيرهما في فعل ما حرم الله ورسوله، والله سبحانه يقول في كتابه المبين: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ذلكم أطهر لقلوبكم وقلوبهن) الأحزاب/٥٣.
فبيَّن سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة أن تحجَّب النساء عن الرجال غير المحارم أطهر لقلوب الجميع، وقال سبحانه: (وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن) إلى أن قال سبحانه: ( ... ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ... ) النور/٣١.
" فتاوى علماء البلد الحرام " (ص ٥٢٩) .
ثالثاً:
ينبغي للأزواج أن يكونوا عوناً لزوجاتهم على العفاف والستر والحياء، ولا يحل لهم أن يأمروهن بخلع حجابهن من أجل الدنيا كدراسة أو عمل، فإن تحتم عليهم ذلك ولم يتيسر لهم إبقاء حجاب نسائهم فيجوز كشف الوجه لتلك الضرورة، كالمطارات والجوازات، على أن يحرصوا أن يكون الناظر لها امرأة.
وأما الذين يريدون من نسائهم خلع حجابهن بالكلية، أو من غير ضرورة: فلا يحل لهم هذا، والواجب عليهم أن يفخروا بانتسابهم لهذا الدين، وأن يفخروا بستر نسائهم وبناتهم، خاصة وأنهم يرون لباس الكافرات من حيث العري والشذوذ في الألوان والتفصيل!
ولا يحل للمرأة طاعة زوجها إذا كان يأمرها بخلاف الستر والحجاب، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا طاعة في معصية الله، إنما الطاعة في المعروف) .
رواه البخاري (٤٠٨٥) ومسلم - واللفظ له - (١٨٤٠) .
وسئل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله -:
رجل متزوج وله أبناء، زوجته تريد أن ترتدي الزي الشرعي وهو يعارض ذلك، فبماذا تنصحونه بارك الله فيكم؟ .
فأجاب:
إننا ننصحه أن يتقي الله عز وجل في أهله، وأن يحمد الله عز وجل الذي يسَّر له مثل هذه الزوجة التي تريد أن تنفذ ما أمر الله به من اللباس الشرعي الكفيل بسلامتها من الفتن، وإذا كان الله عز وجل قد أمر عباده المؤمنين أن يقوا أنفسهم وأهليهم النار في قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) التحريم/٦، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد حمَّل الرجل المسؤولية في أهله فقال: (الرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته) ، فكيف يليق بهذا الرجل أن يحاول إجبار زوجته على أن تدع الزي الشرعي في اللباس إلى زي محرم، يكون سبباً للفتنة بها ومنها، فليتق الله تعالى في نفسه، وليتق الله في أهله، وليحمد الله على نعمته أن يسَّر له مثل هذه المرأة الصالحة.
وأما بالنسبة لزوجته: فإنه لا يحل لها أن تطيعه في معصية الله أبداً؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.
" فتاوى المرأة المسلمة " (١ / ٤٤٢، ٤٤٣) .
ولينظر جواب السؤال رقم: (٤٥٦٧٢) ففيه تفصيل لحكم إجبار الدول للمسلمات على نزع الحجاب.
رابعاً:
وأما خروج المرأة من بيتها: فلتعلم أخواتنا أن الأصل في المرأة أنها مكرَّمة، ومن تكريمها أن سخر لها زوجها وأولادها لخدمتها، وأوجب على الزوج النفقة عليها، وبقاؤها في بيتها ليس إلا لأنها تقوم بعمل جليل لا يمكن لمجموعة من الرجال أن يقوموا به، وهو تربية أولادها، وخدمة زوجها وبيتها، وهي أعمال جليلة عظيمة، ولذا فإنها لا تخرج إلا من ضرورة أو حاجة ماسة، وخاصة إن كانت في بلاد كافرة أو غير آمنة.
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
لا شك أن بقاء المرأة في بيتها أفضل وأبعد عن الفتنة والشر, ولا يخفى علينا جميعاً ما يحصل من خروج النساء إلى الأسواق من الفتنة لهن وبهن , فإذا أمكن ألا تخرج: فهذا هو المطلوب , وإذا اضطرت للخروج: فلتخرج كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (وليخرجن تفِلات) أي: غير متبرجات بزينة ولا متطيبات , ولكن لا تخرج إلا لحاجة , ... فالذي أرى في هذه المسألة أن تلزم المرأة بيتها بكل حال، ولا تخرج إلا للضرورة , وإذا خرجت للضرورة فلتكن غير متطيبة ولا متبرجة بزينة.
أما اصطحاب محرَم لها: فلا شك أنه أفضل وأولى , لكنه ليس بلازم ما دام أن المسألة لا تحتاج إلى سفر، ولكن من المؤسف أنك تجد بعض الناس يأتي إلى الخياط أو إلى التاجر ومعه أهله ثم يبقى في السيارة والمرأة هي التي تذهب وتخاطب الرجال وربما يحصل فتنة بأهله , فعلى الإنسان أن يكون رجلاً حازماً غيوراً على أهله , فلا يفعل هذا الفعل , إذا كان ولا بد فلينزل معها وليكن واقفاً عندها وهي تكلم الرجل أو يكلمها ثم هو يكلم الرجل.
" لقاءات الباب المفتوح " (١١٧ / السؤال ٢) .
وانظري جوابي السؤالين: (٦٧٤٢) و (٩٩٣٧) .
خامساً:
ولمن يريد النصح الصادق، والتوجيه الشرعي إذا أبى إلا البقاء في دول الكفر: فلينظر جوابي السؤالين: (٧٠٢٥٦) و (٤٢٣٧) ففيهما خير كثير إن شاء الله من التوجيه والنصح.
والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب