التيمم عن العضو المريض عند عدم استطاعة استعمال الماء في طهارته في الوضوء والغسل
[السُّؤَالُ]
ـ[تزوجت في يوليو الماضي، عام ٢٠٠٨، لكني أجد أنه يصعب الاغتسال كل يوم، حيث يصيبني صداع شديد إذا غسلت رأسي كل يوم؛ فهل هناك شكل آخر من أشكال الغسل، بدلا من غسل الرأس؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
غسل الجنابة فرض واجب باتفاق الأمة، والواجب فيه تعميم البدن كله بالماء، بما في ذلك الرأس.
قال النووي في: (بَاب صِفَة غُسْلِ الْجَنَابَة) : " وَالْوَاجِب مِنْ هَذَا كُلّه النِّيَّة فِي أَوَّل مُلَاقَاة أَوَّل جُزْء مِنْ الْبَدَن لِلْمَاءِ , وَتَعْمِيم الْبَدَن شَعْره وَبَشَره بِالْمَاءِ , وَمِنْ شَرْطه أَنْ يَكُون الْبَدَن طَاهِرًا مِنْ النَّجَاسَة , وَمَا زَادَ عَلَى هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ سُنَّة " انتهى.
"شرح مسلم" (٣/٢٢٩) .
وقال الشوكاني رحمه الله:
" أما تعميم البدن: فلا يتم مفهوم الغسل إلا به " انتهى.
"السيل الجرار" (١/ ١١٣) .
ثانيا:
رخص الله تعالى للمريض الذي يعجز عن استعمال الماء، أو يشق استعماله عليه مشقة لا يحتملها هو: أن يتيمم، وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة، وتخفيفه عنها، ما لم يخفف عن الأمم التي قبلها. قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) النساء / ٤٣
قال السدي: " هو الجراح. والجراحة التي يتخوّف عليه من الماء، إن أصابه ضرَّ صاحبه، فذلك يتيمم صعيدًا طيبًا ".
وقال مجاهد: " والمرض أن يصيب الرجل الجرح والقرح والجدريّ، فيخاف على نفسه من برد الماء وأذاه، يتيمم بالصعيد كما يتيمم المسافر الذي لا يجد الماء " انتهى.
تفسير الطبري - (٨ / ٣٨٦-٣٨٧) .
قال الطبري: " فتأويل الآية إذًا: وإن كنتم جَرْحى أو بكم قروحٌ، أو كسر، أو علّة لا تقدرون معها على الاغتسال من الجنابة، وأنتم مقيمون غيرُ مسافرين، فتيمموا صعيدًا طيبًا " انتهى.
"تفسير الطبري" (٨ / ٣٨٨)
وقال السعدي رحمه الله:
" فأباح التيمم للمريض مطلقًا، مع وجود الماء وعدمه، والعلة: المرض الذي يشق معه استعمال الماء " انتهى.
"تفسير السعدي" (ص ١٧٩) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" مَنْ أَصَابَتْهُ جَنَابَةٌ مِنْ احْتِلَامٍ أَوْ جِمَاعٍ، حَلَالٍ أَوْ حَرَامٍ: فَعَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ وَيُصَلِّيَ.
فَإِنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الِاغْتِسَالُ لِعَدَمِ الْمَاءِ أَوْ لِتَضَرُّرِهِ بِاسْتِعْمَالِهِ، مِثْلُ أَنْ يَكُونَ مَرِيضًا يَزِيدُ الِاغْتِسَالُ فِي مَرَضِهِ، أَوْ يَكُونَ الْهَوَاءُ بَارِدًا وَإِنْ اغْتَسَلَ خَافَ أَنْ يَمْرَضَ بِصُدَاعِ أَوْ زُكَامٍ أَوْ نَزْلَةٍ: فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ وَيُصَلِّي، سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً.
وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُؤَخِّرَ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَمْنَعَ زَوْجَهَا مِنْ الْجِمَاعِ؛ بَلْ لَهُ أَنْ يُجَامِعَهَا، فَإِنْ قَدَرَتْ عَلَى الِاغْتِسَالِ [اغتسلت] ؛ وَإِلَّا تَيَمَّمَتْ. وَكَذَلِكَ الرَّجُلُ إنْ قَدَرَ عَلَى الِاغْتِسَالِ وَإِلَّا تَيَمَّمَ ". انتهى.
مجموع الفتاوى (٢١/٤٥١) ، وينظر (٢١/٤٤٣ (.
ثالثا:
من أمكنه أن يغسل بعض أعضائه، وعجز عن غسل الباقي: غسل ما قدر عليه، وتيمم عن الباقي.
قال ابن قدامة رحمه الله:
" الْجَرِيحَ وَالْمَرِيضَ إذَا أَمْكَنَهُ غَسْلُ بَعْضِ جَسَدِهِ دُونَ بَعْضٍ , لَزِمَهُ غَسْلُ مَا أَمْكَنَهُ , وَتَيَمَّمَ لِلْبَاقِي. وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ " انتهى.
"المغني" (١/١٦٢) .
قال علماء اللجنة:
" من به جروح أو قروح أو كسر، أو مرض يضره منه استعمال الماء، فأجنب: جاز له التيمم، وإن أمكنه غسل الصحيح من جسده وجب عليه ذلك، وتيمم للباقي " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٢٤ / ٤٠٧-٤٠٨)
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
أنا امرأة متزوجة ومريضة بحساسية في الصدر، وعندي نزلة طولة العام، فكيف أصلي؟ هل أغتسل وبدون غسل الرأس ومسحه فقط؟ علمًا بأنني أُصاب بالنزلة عند غسل الرأس مرات في الأسبوع، وكثيرًا ما أترك الصلاة لعدم قدرتي على غسل الرأس ومسحه فقط.
فأجاب:
" إذا كان يضرك غسل الرأس من الجنابة والحيض: كفاك مسحه مع التيمم؛ لقول الله تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فائتوا منه ما استطعتم) .
"مجموع الفتاوى" (١٠/١٨١) .
وبناء على ما سبق: فإذا كان غسل الرأس يضرك ضررا شديدا، ولا تقدرين على غسله إلا بحرج شديد، لما يصيبك من الصداع: فإنه يجوز لك أن تغسلي بقية جسدك، وتمسح على رأسك، وتتيممي له. وقد قال الله عز وجل في آخر آية التيمم: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) المائدة / ٦
أما إن كان الصداع الذي يصيبك عند غسل الرأس صداعا محتملا – ولو ببعض مشقة – أو كان يمكن علاجه ببعض الأدوية، أو كان لا يستمر في العادة إلا فترة يسيرة، أو كان يزول باستعمال الماء الحار دون البارد، ونحو ذلك: فليست لك رخصة في ترك غسل الرأس أثناء الغسل، ولا يوجد بديل عن غسله.
وإن كان يصيبك الصداع بسبب تكرار الغسل، فاغسلي رأسك بالمقدار الذي يغلب على ظنك أنه لا يصيبك من ورائه الصداع، إما تغسلينه مرة، وتتركين مرة، أو تغسلي مرتين وتتركي مرة، أو ما قدرت عليه، ولا يضرك فعله.
ويمكنك التسهيل في غسل الرأس باستعمال أقل قدر من الماء تتحققين به وصول الماء إلى جميع الرأس، ويمكنك أيضا ألا تنقضي ضفائر رأسك، إن كان لك شعر طويل تضفرينه.
والنصيحة لك ـ أخيرا ـ بعرض نفسك على طبيب ثقة، لعل بك علة تزول بالدواء.
وينظر: إجابة السؤال رقم (٢٧٠٦٥) ، (١٢٩٤٩٦) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
موقع الإسلام سؤال وجواب