حكم إجابة الدعوة، وشروط ذلك
[السُّؤَالُ]
ـ[أحيانا أدعى إلى حضور عزيمة صغيرة أو مناسبة كبيرة.. ما العمل إذا كانت هذه الاجتماعات غالبا فيها غيبة وهمز وتفاخر وتنافس على الملابس وهمز لمن تلبس ملابس بسيطة (مثلي) وقد يكون بها نميمة كما أن لدي أعمال منزلية (لا أرغب في استقدام خادمة , وكل من تحضر هذه المناسبات تقريبا لديها خادمة فتجد فراغا في الوقت) .
وزوجي وبيتي محتاج لي , كل دقيقة أبذلها في بيتي لها أثر إن شاء الله وهو رسالتي الأولى كما أنني أتمنى وقتا إضافيا لكي أقرأ القرآن أو كتاب نافع ولا أريد الدخول في اجتماعات دنيا أرى مضارها تطغى على فوائدها إن كان لها فوائد أرشدوني ما هو التصرف المناسب؟ وما هو العذر المناسب لعدم الحضور إن كان يحق لي ذلك؟
وما العمل إن كانت صاحبة العزيمة تحقد علي وتفرح إذا رأتني في موقف محرج وتتكلم علي هل يجب علي حضور دعوتها؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
وبعد: فقد ورد في صحيح البخاري (١١٦٤) ومسلم (٤٠٢٢) أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " حَقُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ خَمْسٌ رَدُّ السَّلَامِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الْجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ ".
وقد قسم العلماء الدعوة التي أُمر المسلم بإجابتها إلى قسمين:
الأول: الدعوة إلى وليمة العرس، فجماهير العلماء على وجوب إجابتها إلا لعذر شرعي، وسيأتي ذكر بعض هذه الأعذار ـ إن شاء الله ـ.والدليل على وجوب الإجابة ما رواه البخاري (٤٧٧٩) ومسلم (٢٥٨٥) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الْوَلِيمَةِ يُمْنَعُهَا مَنْ يَأْتِيهَا وَيُدْعَى إِلَيْهَا مَنْ يَأْبَاهَا وَمَنْ لَمْ يُجِبْ الدَّعْوَةَ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ "
الثاني: الدعوة لغير وليمة العرس على اختلاف أنواعها، فجماهير العلماء يرون أن إجابتها مستحبة، ولم يخالف إلا بعض الشافعية والظاهرية، فأوجبوها، ولو قيل بتأكد استحباب الإجابة لكان قريبا.والله أعلم.
لكن العلماء اشترطوا شروطا لإجابة الدعوة، فإذا لم تتحقق هذه الشروط لم يكن حضور الدعوة واجبا ولا مستحبا، بل قد يحرم الحضور، وقد لخص هذه الشروط الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله فقال:
١- ألا يكون هناك منكر في مكان الدعوة، فإن كان هناك منكر وهو يستطيع إزالته وجب عليه الحضور لسببين: إجابة الدعوة، وتغيير المنكر، وإن كان لا يمكنه إزالته حرم عليه الحضور.
٢- أن يكون الداعي للوليمة ممن لا يجب هجره أو يُسنّ. [كأن يكون مجاهرا بفسق أو معصية، وهجره قد ينفع في توبته من ذلك]
٣- أن يكون الداعي مسلما، وإلا لم تجب إجابته لقوله صلى الله عليه وسلم: " حق المسلم على المسلم.. "
٤- أن يكون طعام الوليمة مباحا، يجوز أكله.
٥- أن لا تتضمن إجابة الدعوة إسقاط واجب أو ما هو أوجب منها فإن تضمن ذلك حرمت الإجابة.
٦- أن لا تتضمن ضررا على المجيب مثل أن يحتاج إلى سفر أو مفارقة أهله المحتاجين إلى وجوده بينهم، أو نحو ذلك من أنواع الضرر. (القول المفيد ٣ / ١١١ بتصرف) .
وزاد بعض العلماء:
٧- أن يخص الداعي المدعو بالدعوة، بخلاف ما لو دعا الحاضرين في مجلس عام لحضور وليمته، وهو أحد هؤلاء، فلا يلزمه الحضور عند الأكثر.
وبهذا يتبين لك أن حضور مثل هذه الدعوات لا يلزمك بل قد يحرم عليك، إذا كنت لا تستطيعين تغيير المنكر أو يترتب على حضورك تضييع حق زوجك أو حق أولادك من تربيتهم ورعايتهم الواجبة عليك، ثم أنت أيضا لا تسلمين من شرهم وضررهم، وهذا عذر يسقط عنك حضور الدعوة الواجبة، فكيف بما هو دونها.
ولابد أن تنبه المرأة أيضاً بأنها لابد من أن تستأذن زوجها للخروج إلى المناسبة التي دُعيت إليها وعليك أن تنصحي هؤلاء الأخوات بالحرص على الاستفادة من وقتهن ومجالسهن فيما يعود عليهن بالنفع الديني أو الدنيوي، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذرنا من مغبة المجالس التي لا يذكر الله تعالى فيها فقال صلى الله عليه وسلم: " مَا جَلَسَ قَوْمٌ مَجْلِسًا لَمْ يَذْكُرُوا اللَّهَ فِيهِ وَلَمْ يُصَلُّوا عَلَى نَبِيِّهِمْ إِلَّا كَانَ عَلَيْهِمْ تِرَةً فَإِنْ شَاءَ عَذَّبَهُمْ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُمْ " رواه الترمذي (٣٣٠٢) وقَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ وصححه الأباني كما في صحيح الترمذي (٣ / ١٤٠) .
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تِرَةً: يَعْنِي حَسْرَةً وَنَدَامَةً
وفي سنن أبي داود (٤٢١٤) وغيره عن أبي هريرة رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَا مِنْ قَوْمٍ يَقُومُونَ مِنْ مَجْلِسٍ لا يَذْكُرُونَ اللَّهَ فِيهِ إِلا قَامُوا عَنْ مِثْلِ جِيفَةِ حِمَارٍ وَكَانَ لَهُمْ حَسْرَةً " وصححه النووي في رياض الصالحين (٣٢١) وتابعه الألباني رحمهما الله.
فأبلغي إليهم هذه النصيحة إما مشافهة أو كتابة، ولو زدت على ذلك بأن دعوتهم في منزلك، واغتنمت الاجتماع لعقد حلقة ذكر بالإضافة إلى بعض الأمور المباحة المحببة إلى نفوسهن لعل الله أن يجعلك سببا في أن تسني لهم هذه السُنة الحسنة في الاستفادة من مثل هذه المجالس. والله الموفق.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد