للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تثبت للمرأة ولاية في مال الصغير؟

[السُّؤَالُ]

ـ[رجلٌ تزوج بامرأتين أنجبت له الأولى عدداً من الأبناء الذكور، وأنجبت له المرأة الثانية عددا من الإناث إلا واحدا لم يبلغ الحلم بعد. الحاصل أن الزوج قد طلق امرأته الأولى ثم توفي، وبعد فترة وجيزة توفيت زوجته الثانية، ونشب صراع وخلاف شديد بين الذكور والإناث حول تقسيم التركة حيث ادعى الذكور ولا بينة لهم أن المورث قد وهب لهم عددا من العقارات والأطيان الأخرى، واشتد النزاع حول من يكون وليا ووصياً على الطفل القاصر حيث احتج الإخوة لأب الذكور بأنهم أحق بالولاية والوصاية على الطفل القاصر لكونهم من العصبة، واحتجت الأخت الشقيقة للقاصر بأنها أولى وأقدر لكونها مؤتمنة على الطفل القاصر والقائمة بأمره ودفعت طلب الإخوة لأب في استحقاق الولاية والوصاية بأنهم خصماء للقاصر ويوجد بينهم وبينه وبين عائلته وشقيقاته البنات من الخلافات العائلية التي يخشى معها على مصلحة ذلك الطفل. السؤال هل يجوز للمرأة أن تكون وليا ووصيا على القاصر لتحفظ ماله وتقوم بشئونه وتمثله أمام العام والخاص في وجود الإخوة لأب أو العصبة؟ وهل يجوز لها شرعا القيام بذلك، خاصة وأن الإخوة لأب دفعوا طلب الأخت الشقيقة في تولي مهام الوصاية، بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) وبالحديث الذي معناه: (أن النساء ناقصات عقل ودين) .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

ليس للإخوة ولا للأخوات ولاية على مال أخيهم في قول جماهير أهل العلم، وإنما الولاية للأب ثم لوصيه [وهو من أوصى له الأب أن يكون ولياً على أولاده بعد موت الأب] ثم للحاكم، واختُلف في الجد، كما اختلف في الأم.

قال في "بدائع الصنائع" (حنفي) (٥/١٥٥) : " وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء: الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي وإنما تثبت الولاية على هذا الترتيب ; لأن الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم , والنظر على هذا الترتيب، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله ; لأن الأخ والعم قاصرا الشفقة، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة , والأم وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال" انتهى بتصرف.

وقال الدرير في "الشرح الكبير مع الدسوقي" (مالكي) (٣/٢٩٩) : " والولي على الصغير: الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه " انتهى بتصرف.

وقال في "نهاية المحتاج" (شافعي) (٤/٣٧٥) : "ولا تلي الأم في الأصح قياسا على النكاح. والثاني [أي القول الثاني] : تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها , ومثلها في عدم الولاية سائر العصبة كأخ وعم. نعم، لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية ; لأنه قليل فسومح به , ومحله عند غيبة وليه , وإلا فلا بد من مراجعته فيما يظهر" انتهى.

وقال في "كشاف القناع" (٣/٤٤٦) (حنبلي) : " وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب ثم بعد الأب لوصيه العدل ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودا وفقد شيئاً من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما للحاكم لأن الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم، لأنه ولي من لا ولي له، فيقم الحاكم أمينا في النظر لليتيم والمجنون، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم" انتهى بتصرف.

فتبين أن المذاهب الأربعة على أن الإخوة لا يكونون أولياء في المال على أخيهم الصغير، وكذلك: الأخت الشقيقة ليس لها ولاية أيضاً.

وعلى هذا، فينبغي رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليعين الأصلح للطفل ويكون هو الولي عليه.

وأما الاستدلال بحديث: (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة) فهذا محمول عند أهل العلم على الولاية العامة كالرئاسة والإمارة والقضاء ونحوه، لا الولاية على ابنها أو أخيها الصغير، التي هي من أرحم الناس به، وأحرصهم عليه.

وكذلك حديث: (ناقصات عقل ودين) فإنه لا يمنع من أن تتصرف في مالها وتكون والية عليه اتفاقا، فكذلك تصرفها في مال ولدها أو أخيها إذا جعلها الحاكم ولية عليه.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>