طلقها زوجها مراراً وتزوجت أخاه سرّاً ثم أُجبر على طلاقها ورجعت للأول!
[السُّؤَالُ]
ـ[لديَّ صديقة تعيش هنا في " النرويج " , تزوجت منذ ١٣ سنة، ولها ثلاث أطفال، زوجها اعتاد على الزنا منذ أن تزوجها، وكان رجلاً لا يعرف الحقوق الزوجية أبداً، فكان يضربها، ويشتمها، ويتلفظ بأقبح الكلمات، فصبرت المرأة، وكانت تقول: " لعل الله يصلحه "، ولكن بدون جدوى، فطلقها مراراً، حتى أصبحت لا تعرف عدد مرات الطلاق، ولكن أهلها كانو يجبرونها على عدم تركه لأنه عيب! ولا يعيرون اهتماما للحرام التي تقع فيه ابنتهم، فبعد تسع سنوات ضاق بها العيش، وانفصلوا لأنه طلَّقها أمام الجميع هذه المرة، فوقعوا في الأمر الواقع – الأهل -، وقبلوا بالطلاق، فبعد مرور العدة تزوجها أخوه الأصغر، وبسرية تامَّة عن الأهل، المشكلة أنه عندما عرف الزوج الأول بالزواج: عمل ما لا يعمله المجنون، إذ أمر - وبشدة - أخاه الأصغر بأن يطلق زوجته إجباريّاً، والثاني لم يكن موافقاً على الطلاق، ولكن ما كان باليد حيلة، وتزوجها زوجها الأول عند أحد الشيوخ الموجودين في " النرويج "، وقال عند عقد القران - أي: عند الشيخ - بأن التي أتزوجها بنت عذراء! وخال البنت كان وكيلاً عليها. الآن هي تذرف بدل الدموع دماً، ولا تريد الزوج الذي أهانها خلال هذه السنين، ولم يعطها حقَّها بأي نوع من الأنواع. هي تسأل فضيلتكم: ما حكم هذا الزواج، والطلاق؟ . أفيدونا، أفادكم الله، وهي تنتظر الجواب بفارغ الصبر، وقد طلبت مني أن أرسل برسالتها إلى أحد الشيوخ بدلاً عنها لأنها لا تجيد الكتابة بالعربيَّة جيِّداً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
نعتب على أهل تلك الزوجة، لسكوتهم على الظلم الذي كان يقع على ابنتهم، وعدم وضع الأمور في نصابها، ولعله السبب الذي جعل الزوج يتسلط على ابنتهم.
ولقبولهم بل ولإرغامهم ابنتهم أن تعيش في الحرام وتعود لزوجها الذي طلقها مراراً كما جاء في السؤال.
ثانياً:
أما بخصوص الزوجة وعلاقتها مع زوجها: فهذا يحتاج إلى استفصال من أصحاب العلاقة مباشرة، فلابد من ذهابها لأحد أهل العلم تشرح له ما جرى بينها وبين زوجيها بالتفصيل، غير أننا نذكر هنا بعض الأحكام التي قد تنطبق عليها بحسب فهمنا لحالها:
١. ذلك الزوج الأول الذي تقول إنه طلقها مراراً: هي أدرى بعدد الطلقات، فإن كان طلقها مرتين: فهو طلاق يملك فيه الرجعة، وأما إن طلقها الثالثة – فما فوق -: فهو طلاق بائن يجعلها أجنبية محرَّمة عليه، لا تحل له إلا أن تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ويكون نكاح رغبة، لا نكاح تحليل.
٢. زواجها الثاني ورد في السؤال أنه كان " بسرية تامَّة عن الأهل "، فإن كان المقصود به أهله: فلا إشكال، وإن كان المقصود به أهلها: فالنكاح باطل، ولا تحل به لزوجها الأول ـ إن كان الأول طلقها ثلاثاً ـ لأنه نكاح بلا ولي.
٣. وإن كان أهلها على علم بالزواج الثاني، وقد وافق وليها عليه: فهو نكاح صحيح، إلا إذا كان هذا الأخ الأصغر قد تزوجها ليحلها لزوجها الأول، فهو نكاح تحليل، باطل، ولا تحل به لزوجها الأول.
٤. طلاق الثاني لها إن كان بإكراه من أخيه فلا يقع، ومعنى الإكراه أنه هدده بالقتل أو الضرب الشديد ونحو ذلك إن لم يطلق.
قال أبو عمر ابن عبد البر رحمه الله:
"اختلف العلماء في طلاق المكره، فذهب مالك، والشافعي، وأصحابهما، وأحمد، وداود: إلى أن طلاق المكرَه لا يلزم، ولا يقع، ولا يصح، والحجة لهم: قول الله عز وجل: (إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمن) النحل/ ١٠٦، فنفى الكفر باللسان إذا كان القلب مطمئناً بالإيمان، فكذلك الطلاق إذا لم يرده بقلبه، ولم ينوه، ولم يقصده: لم يلزمه.
وروي عن عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وابن عباس في طلاق المكره: أنه لا يلزم، كما قال ابن عمر، وابن الزبير" انتهى باختصار.
" الاستذكار " (٦ / ٢٠١، ٢٠٢) .
وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (٩٩٦٤٥) أن طلاق المكره لا يقع، فلينظر.
فإن كان الأمر كذلك فهي لا تزال زوجة للأخ الأصغر، وزواج الأكبر منها بعقد جديد زواج باطل، لأنه تزوج امرأة متزوجة بغيره.
٥. وإن كان الطلاق قد وقع من غير إكراه، بل بمجرد إلحاح وإحراج، أو كان يمكن للأخ أن يمتنع من طلاقها من غير ضرر يصيبه فالطلاق واقع.
٦. رجوعها إلى زوجها الأول بعقد جديد نرى أنه غير صحيح، لأن العقد تم بلا ولي، والولي لا يكون إلا من العصبة، كالأب والأخ والعم، أما الخال فلا ولاية له.
قال ابن قدامة رحمه الله:
ولا ولاية لغير العصبات من الأقارب , كالأخ من الأم , والخال , وعم الأم , والجد أبي الأم ونحوهم.
نصَّ عليه أحمد في مواضع وهو قول الشافعي , وإحدى الروايتين عن أبي حنيفة.
" المغني " (٧ / ١٣) .
وينظر تفصيل الكلام في الولي في النكاح في جواب السؤال رقم: (٢١٢٧) .
ثم إن كانت رجعت إلى الأول بدون رضاها، فهذا سبب آخر لعدم صحة هذا النكاح.
وإذا كان زوجها الأول قد طلقها من قبل ثلاثاً، فلا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره نكاحاً صحيحاً، ونكاحها لأخيه الأصغر إن كان قد تم بلا ولي فهو نكاح غير صحيح، فلا تحل لزوجها الأول.
٧. لا يجوز الكذب عند عقد النكاح، بأن توصف المرأة بأنها بكر، وهي ثيب، ولكن هذا لا يؤثر على صحة عقد النكاح إذا كان الزوج يعلم حقيقة الأمر.
هذا ما يمكننا قوله في تلك القضية، ونظراً لكثرة التفصيلات والاحتمالات، فلابد من عرض القضية على رجل من أهل العلم بالتفصيل ليحكم فيها.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب