تعرضت للاغتصاب وهي صغيرة، وتريد الزواج الآن
[السُّؤَالُ]
ـ[أعاني من مشكلة نفسية واجتماعية فى نفس الوقت , حيث تعرضت في صغري لاغتصاب من أحد أقاربي، أشك فى أنه أفقدني براءتي، مما كان له أثر سيئ على نفسيتي، فكنت أبكي كل ليلة وأنا نائمة لا يشعر بي أحد، ثم في مرحلة الثانوية وما قبل الجامعة جاء إلى بيتنا شاب لدرس، واعترف لي أنه يريد الزواج مني، فصارحته بكل شيء، فأجاب بأن هذا ماض وأنه مسامح، ولا أخفي عليك، فمنذ ذلك الحين نتحادث هاتفيّاً كل مدة، وأهلي على علم بذلك، وهو الآن فى العام الأخير من الجامعة، فأريد أن أعرف هل ذلك حرام؟ وهل أنا كذلك مستسلمة لقضاء الله؟ وإن لم يكن كذلك فماذا أفعل؟ .
أرجو النظر في مشكلتي وإفادتي.
وجزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
قد لا يدرك المرء حقيقة الحكمة التي من أجلها ابتلاه الله تعالى في دنياه، حتى يكون يوم القيامة، فينكشف له ذلك المقام الرفيع الذي أعده الله تعالى له في الجنة إذا صبر واحتسب، ويعلم حينئذ أن الله تعالى كان قد ابتلاه بفضله، واختبره بحكمته.
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ) .
رواه الترمذي (٢٤٠٢) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " (٢٢٠٦) .
ويبدو أنك – أختي الفاضلة – قد تجاوزت بحمد الله تلك الواقعة، وتحملت آثارها النفسية، بل وأرجو أن تكوني خرجت بنفسية أقوى، وبروح أعلى وأذكى، فإن في كل محنة منحة، ووراء كل بلاء عافية، ولا ينبغي للمرء أن يتأسف على ما فات، ويستذكر الماضي الذي لن يرجع أبدا، بل ينبغي أن يأخذ منه العبرة ليومه والتفاؤل لغده.
وفي قصتك درس للآباء الذين يتحملون مسؤولية أبنائهم أمام الله تعالى، ألا يُسلِموهم لمواضع الردى بدعوى حسن الظن بالقرابة، والحقيقة المؤسفة تقتضي أن نقول: إن كثيرا من حالات الاعتداء إنما تجيء من القرابة، نسأل الله العافية.
وليست هذه دعوة لقطع الأرحام أو التشكك في الناس، إنما هي دعوة للاحتفاظ بالحذر والاحتياط الذي يقتضيه الحال، وعلى الوالدين تقدير ذلك الحذر من غير غلو ولا تفريط، وقد جاءت شريعتنا بقاعدة عظيمة في ذلك، هي قاعدة سد الذرائع، بل جاءت الشريعة بأخذ الاحتياط بين الإخوة في البيت الواحد، وذلك حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع، كما رواه أبو داود (٤٩٥) وصححه الألباني.
قَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله: أَيْ فَرِّقُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي مَضَاجِعهمْ الَّتِي يَنَامُونَ فِيهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا حَذَرًا مِنْ غَوَائِل الشَّهْوَة، وإن كُنّ أخواته. انتهى [فيض القدير ٥/٥٣١] .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله: إنما جَمَعَ بَيْن الْأَمْر بِالصَّلَاةِ وَالْفَرْق بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع فِي الطُّفُولِيَّة تَأْدِيبًا وَمُحَافَظَة لِأَمْرِ اللَّه كُلّه ... وَتَعْلِيمًا لَهُمْ َالْمُعَاشَرَة بَيْن الْخَلْق , وَأَنْ لَا يَقِفُوا مَوَاقِف التُّهَم فَيَجْتَنِبُوا محارم الله كلها. اِنْتَهَى. [شرح مشكاة المصابيح ٢/١٥٥] .
وفي قصتك درس للآباء ـ أيضا ـ: أن يتفقدوا أحوال أبنائهم، ويُعَوِّدُوهم على مصارحتهم في كل ما يواجهون، في المدرسة أو الشارع أو المنزل، فإن كثيرا من الأطفال تصيبهم المصائب، وتلحقهم الأمراض النفسية، والوالدان في غفلة تامة عن أمرهم، وقد كان يمكن للوالدين أن يخففا عن أبنائهم ما أصابهم، ولكن ترك المصارحة الأسرية يولِّدُ حرجا عند الأبناء في الشكوى لآبائهم.
وأما ذلك القريب الظالم الفاجر المعتدي، فقد استحق غضب الله وسخطه ومقته، واستحق جهنم التي أعدها الله تعالى للظالمين المعتدين، الذين يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب، وهو يظن أنه ينجو بفعلته ويلوذ بجريمته، ولكنه لا يشعر أن الله تعالى يتربص به وبأمثاله، حتى إذا أخذه فما له مِنَ الله مِنْ ناصر.
يقول الله تعالى: (وَلَا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ) إبراهيم/٤٢.
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُملِي لِلْظَالِمِ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ، ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ) . رواه مسلم (٢٥٨٣) .
قال النووي – رحمه الله -: " معنى (يملي) يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة ... .
ومعنى (لم يفلته) : لم يطلقه، ولم ينفلت منه ". " شرح مسلم " (١٦ / ١٣٧) .
ثانياً:
أما ما ذكرتِ من شأن الشاب الذي عرض عليك أمر الزواج، وأنت بدورك صَدَقتِيهِ القول وصارحتيه بما جرى معك في صغرك فتقبل ذلك ولم يعترض: فذلك من نِعَم الله تعالى عليك، أَن هَيَّأَ لك من يعذركِ فيما حصل معكِ في صغرك، ويست عليك في أمر ظلمتِ فيه، ويرغب في الاقتران بك بالطريق الذي شرعه الله، فجزاه الله خيرا.
ولكنكما أخطأتما حين استمرت المحادثات بينكما، قبل أن يتم الرابط الشرعي، وقد كان بإمكانكما إتمام عقد الزواج الشرعي، وتأخير الدخول إلى حين التخرج أو العمل، أما أن تبقى الحال على ما هي عليه: فلا شك في حرمة ذلك، إذ ليس بينكما علاقة شرعية، وإنما هي إلى الآن أماني أو وعود بالزواج.
والواجب عليكما الوقوف عند الحكم الشرعي، وأنه لا يجوز استمرار المحادثة بينكما حتى يتم العقد الشرعي، فإن كان صادقا في وعده لك بالزواج: فسيستجيب لحكم الله، ويسارع في إتمام العقد، أو يقطع الاتصال حتى يتخرج، فإن لم يستجب لحكم الله تعالى: فاحذري حينئذ، فقد يكون ذئباً جديداً يسعى للتسلية وقضاء الوقت في محادثة الفتيات، ويتخذ الوعود بالزواج وسيلة لتحقيق ما يريد، وخاصة أنه قد علِم بحالك، وقد تكون هذه فرصة له يسول له الشيطان بسببها أمراً منكَراً.
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله -:
مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف، هل هي جائزة شرعا أم لا؟
فأجاب:
مكالمة الخطيب عبر الهاتف لا بأس به، إذا كان بعد الاستجابة له، وكان الكلام من أجل المفاهمة، وبقدر الحاجة، وليس فيه فتنة، وكون ذلك عن طريق وليها: أتم وأبعد عن الريبة.
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات، وهم لم تجرِ بينهم خطبة، وإنما من أجل التعارف - كما يسمونه -: فهذا منكر، ومحرَّم، ومدعاة إلى الفتنة، والوقوع في الفاحشة، يقول الله تعالى: (فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً) الأحزاب/٣٢.
فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة، وقد نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها، وفي الحديث (إِنَّمَا التَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ) - رواه البخاري (١٢١٨) ومسلم (٤٢١) - مما يدل على أن المرأة لا تُسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة.
" فتاوى المرأة المسلمة " (٢ / ٦٠٤ - ٦٠٥) .
وقد سبق في موقعنا بعض الإجابات التي تبين حكم المحادثة بين الجنسين، ومنها: أجوبة الأسئلة: (٧٤٩٢) ، (١٣٧٩١) ، (٢٦٨٩٠) ، (٤٥٦٦٨) ، (٦٦٢٦٦) ، (٨٢٧٠٢) .
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويوفقك ويرزقك الرضى والسعادة.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب