للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

طالب علم تطلب منه أمه الاهتمام بدراسته الجامعية فكيف يوفق بين الأمرين؟

[السُّؤَالُ]

ـ[أريد طلب العلم الشرعي , وأنا - والحمد لله - أركز على طلب العلم , إلا أن أمي تقول لي إن عليك أن تركز على دروسك، وواجباتك الجامعية , فكيف لي أن أوفق بين هذين الأمرين؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

إن مما يَحزن القلب أننا نجد بعض الشباب ممن يحبون العلم الشرعي، ويسعوْن في تحصيله: أنهم يقصِّرون في واجباتهم المنزلية، ويقصرون في دراستهم النظامية، وهذا – ولا شك – له أسوأ الأثر على الأهل، وهو مما يدعوهم إلى منع أولادهم من حضور حلَق العلم، ومن سماع الأشرطة العلمية النافعة، ومن قراءة الكتب الشرعية، وما جعلهم يفعلون ذلك هو ما يرونه من تقصير أولادهم فيما ذكرنا، ولو أنهم رأوا من يجمع بين الأمور كلها، ولا يغلِّب جانباً على آخر: لما أزعجهم سماع لشريط، ولا حضور لحلقة علم، ولا قراءة لكتاب في العلم الشرعي.

فلينتبه الشباب لهذا، وليعلموا أن كثيراً من الأهالي وأولياء الأمور يشْكُون تقصير الأبناء في المواد الدراسية، مما يتسبب عنه رسوب أولئك الشباب في امتحاناتهم أحياناً، وتحميل أهلهم أعباء إضافية من جهد، ومال.

نعم، هناك كثيرون يبالغون في الاهتمام بالدراسة، والامتحانات، حتى إن بعضهم لا يكاد يذكِّر أولاده بصلاة، ولا ذكر، فضلاً عن تشجيعه لأداء صلاة الجماعة في المسجد، وهؤلاء قد عظموا المدارس ومناهجها، وجعلوا منها سعادة وشقاء الأولاد، فجعلوا من معه شهادة هو من سيعيش ويأكل ويتزوج، ومن لم يحصل عليها فسيشقى، ولن تكون حياته سعيدة، مع أننا نرى عكساً لهذا في واقع الحياة، وبكل حال: فإننا نود من أهالي الشباب المستقيمين على طاعة الله، والراغبين في طلب العلم أن يخففوا من غلوهم في الاهتمام بالمدارس ومناهجها، ونود من إخواننا الشباب أن يحسنوا الموازنة بين الأمرين، وأن يوفروا أوقاتهم التي يضيعونها سدى فيما لا ينفع، ويوظفوا هذه الأوقات في الموازنة المطلوبة بين الأمرين.

ثانياً:

حتى تجمع أيها الأخ الشاب الراغب بالعلم، بين طلب العلم تحقيقاً للأمر النبوي بطلبه، وبين طاعة أمك التي لا تأمرك بما هو محرَّم: فحاول أن تنتصح بما نقوله لك، وما ندلك عليه، عسى الله أن ينفعك به، ومن ذلك:

١. أن تحرص على الصحبة الصالحة، وتبتعد عن جليس السوء، فالصحبة الصالحة تحفظ لك وقتك، وتذكرك بما هو واجب عليك، وحتى لو كنتم تتعاونون في طلب العلم الشرعي فإنهم سينصحونك بتخصيص شيء من وقتك للدراسة المنهجية، وستجد منهم خير معين لك، بخلاف الصحبة السيئة، وجليس السوء؛ فإنه لا يدلك على خير، ولا يرشدك إلى هدى.

٢. أن تحفظ عليك وقتك بساعاته ودقائقه، وأن لا يكون منك تفريط في شيء منه، فالمحافظة على الوقت من شأنها أن تجعل في يومك فسحة للقراءة، وطلب العلم، مع اهتمامك بدروسك المنهجية.

قال ابن القيِّم:

وقت الإنسان هو عمره في الحقيقة، وهو مادة حياته الأبدية في النعيم المقيم، ومادة معيشته الضنك في العذاب الأليم، وهو يمرّ أسرع من مرّ السحاب، فما كان من وقته لله، وبالله: فهو حياته، وعمره، وغير ذلك: ليس محسوباً في حياته، وإن عاش فيه: عاش عيش البهائم، فإذا قطع وقته في الغفلة، والشهوة، والأماني الباطلة، وكان خير ما قطعه به النوم والبطالة: فموت هذا خير له من حياته.

" الجواب الكافي " (ص ١٠٩) .

قال الحسن البصري: " أدركت أقواماً كان أحدهم أشحّ على عمره منه على دراهمه، ودنانيره ".

٣. ترتيب وقتك، وتنظيم ساعاته، ومن شأن هذا الأمر أن تعطي كل شيء حقَّه، فتجعل لنومك ساعات محددة، ولطلبك العلم أوقاتاً معينة، ولدروسك الجامعية أزمنة مقيَّدة، لا تزيد في كل ذلك، ولا تُنقص مه.

فهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتناوب هو وأنصاري على حضور حلق العلم عند النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يجعلوا طلب الرزق معارضاً للعلم، فجمعوا بينهما من غير تفريط في أحدهما.

عَنْ عُمَرَ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنْ الْأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ وَهِيَ مِنْ عَوَالِي الْمَدِينَةِ، وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا، وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنْ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ.

رواه البخاري (٨٩) وبوَّب عليه بقوله: باب التناوب في العلم، ومسلم (١٤٧٩) نحوه.

٤. اعلم أن طريق الدراسة الجامعية قصير محدود، وأن طريق طلب العلم طويل لا ينتهي إلا بموت صاحبه، فعجِّل قطع الطريق القصير على خير، وبأسرع وقت؛ لتتفرغ لسلوك ذلك الطريق الطويل من دون عوائق.

٥. ترجم ما تعلمته من شرع الله على واقعك العملي، وليظهر أثر العلم على عملك، وعليه: فمن المتوقع منك أن يزداد برُّك بوالدتك، وأن تكون ذلك الابن النشيط، العاقل، الودود، طاهر القلب والبدن. ومن شأن تطبيق ما تعلمته على واقعك العملي أن تقدم لأسرتك، وللمجمتع من حولك رسالة مفادها: أن الإسلام يدعو إلى الأخلاق، وأنه لا يتعارض مع العلم، وأن طالب العلم هو القدوة الحسنة للشباب في سلوكه، وتصرفاته.

واستعن بالله تعالى على كل ما ذكرناه لك، ونصحناك به، واسأل ربك دوماً السداد، والتوفيق.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

موقع الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>