رؤية الله تعالى في الدنيا يقظة غير ممكنة، والدليل على ذلك أن موسى عليه السلام وهو من أفضل الرسل، وهو أحد أولى العزم الخمسة (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) قال الله له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكّاً) ، اندك الجبل أمام موسى وهو يشاهد:(وَخَرَّ مُوسَى صَعِقاً) . غشي عليه لأنه شاهد شيئاً لا تتحمله نفسه:(فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) الأعراف/١٤٣. فتاب إلى الله من هذا السؤال، لأنه سؤال ما لا يمكن، والله عز وجل يقول:(ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) الأعراف/٥٥.
فرؤية الله في الدنيا حال اليقظة لا يمكن حتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليلة المعراج لم ير ربه، وقد سئل هل رأيت ربك؟ قال:(رأيت نوراً) . وفي لفظ:(نورٌ أنَّى أراه) . يعني بيني وبينه حجب عظيمة من النور، وقد جاء في الحديث في الصحيح أن الله عز وجل محتجب بالنور، وذلك في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(حجابه النور لو كشفه لأحرقته سبحات وجهه من انتهى إليه بصره من خلقه) .
وسبحاته: بهاؤه وعظمته، فلو كشف هذا النور الذي بينه وبين الخلق لاحترق الخلق جميعاً، لأن بصره ينتهي إلى كل شيء، فيحترق كل شيء بهذا النور العظيم، وعلى هذا نقول: لا تمكن رؤية الله في الدنيا في اليقظة.
أما في المنام فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رأى ربه في المنام، لكن هل غيره يمكن أن يراه؟ يذكر أن الإمام أحمد رحمه الله رأى ربه، وذكر بعض العلماء أن ذلك ممكن، فالله أعلم، لكن أخشى إن فتح الباب أن تدخل علينا شيوخ الصوفية وغيرهم فيقول أحدهم رأيت ربي البارحة، وجلست أنا وإياه، وتنادمنا وتناقشنا، ثم يجيء من هذه الخزعبلات التي لا أصل لها، فأرى أن سد هذا الباب هو الأولى.