للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

أسلمت وأهلها لا يدرون ويريدون تزويجها لغير مسلم

[السُّؤَالُ]

ـ[أسلمت من سنتين أو ثلاث، والحمد لله، فقد تأثرت بأحد الشباب في الجامعة حيث كنا ندرس سويّاً، ثم بدأ كل واحد منا يعجب بالآخر، ونحن نرغب الآن في الزواج، وبما أن عائلتي كافرة فهي تعارض تماماً هذه العلاقة، وكذلك الحال مع والدَي الشاب.

والداي لا يعلمان بأمر إسلامي، فأنا أمارسه في السر، وأفيدكم أني راغبة في الزواج من المذكور وأن أعيش حياة إسلامية بعد ذلك، أنا لا أريد أن أتزوج شخصاً كافراً، ووالداي يريدان مني أن أرجع لبلدي لأتزوج من شخص يدين بدينهما، فهل من الضروري أن يوافق والدانا - أنا وهو - على الزواج؟ وهل يمكننا الزواج بدون علمهم، أو تأجيل استئذانهم؟ أخشى أن يموت والداي إن هما سمعا أني أسلمت أيضاً، فهما يكرهان المسلمين، وأنا لا أعرف كيف أقنعهما، هل يجب علي إقناعهما بزواجي، أم يجوز أن أخالف رغبتهما؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

قبل الإجابة يسرنا أن نهنئك على الدخول في الإسلام، وهو الدين الخاتم للأديان، وقد رضيه الله تعالى للخليقة كلها، وأرسل النبي صلى الله عليه وسلم ليكون للعالَمين بشيراً ونذيراً، وقد سبقكِ كثير ممن هدى الله تعالى قلوبهم لهذا الدين العظيم، وقد حُرمه كثيرون بسبب عنادهم ومكابرتهم، فيجب عليكِ أن تديمي الشكر لربكِ تعالى أن أخرجك من ظلمات الكفر والجهل إلى نور التوحيد والعلم، ويجب عليكِ أن تتعلمي أحكام الدين لتزدادي طمأنينة بحسن اختيارك وليثبت الله به قلبكِ.

ثانياً:

ولا يمنعنا إسلامكِ الجديد من أن نخبركِ بأن هذا الدين جاء بأحكامٍ عظيمة، يحفظ بها للمسلم دينه وعقله وماله وعِرضه ونسبه، لذا ففيه ما هو حرام ممنوع من أجل المحافظة على ذلك، وفيه ما هو ما واجب لأجل الأمر نفسه، ومما يتعلق بسؤالكِ هنا أمران:

فمن باب الحفاظ على العِرض والنسب حرَّم الإسلامُ الاختلاط بين الجنسين، وخلوة الرجل بالمرأة، ولمسها بيده، فضلاً عما هو أكبر من ذلك من فاحشة الزنا، لذا فإننا نرى أن المرأة جوهرة لا يصح أن تكون سلعة رخيصة – كما هو الحال في دول الكفر ومن تبعهم من سفهاء المسلمين – في الدعايات والصحف والمجلات، وإن لها دوراً عظيماً ينتظرها بصفتها زوجة وأمّاً.

والأمر الثاني: حفاظاً على دين المرأة فإن الله تعالى قد حرَّم زواج المسلمة بالكافر، وهو أمر ثابت بالقرآن والسنة والإجماع.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" والكافر لا تحل له المرأة المسلمة بالنص والإجماع قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّار لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) . . .

المسلمة لا تحل للكافر بالنص والإجماع - كما سبق - ولو كان الكافر أصليّاً غير مرتد، ولهذا لو تزوج كافرٌ مسلمةً: فالنكاح باطل، ويجب التفريق بينهما، فلو أسلم وأراد أن يتزوجها لم يكن له ذلك إلا بعقدٍ جديدٍ " انتهى باختصار.

" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١٢ / ١٣٨ - ١٤٠) .

ثالثاً:

ويشترط في عقد الزواج حتى يكون صحيحاً وجود وليٍّ للمرأة، ولا يجوز أن يكون الكافرُ وليّاً للمسلمة بلا خلافٍ بين العلماء.

قال ابن قدامة:

أما الكافر: فلا ولاية له على مسلمةٍ بحال , بإجماع أهل العلم , منهم: مالك , والشافعي , وأبو عبيد , وأصحاب الرأي، وقال ابن المنذر: أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم.

" المغني " (٧ / ٢١) .

وحتى في مثل حالكِ فإنه لا بدَّ من وليٍّ في الزواج، فإن لم يكن أحد أوليائك مسلماً: فيزوجكِ من يقوم مقام السلطان وهو القاضي الشرعي أو المفتي أو شيخ المركز الإسلامي، أو إمام المسجد.

ولا يجب عليك استئذان والدك في زواجك لأنه لا ولاية له عليك، وإذا تمَّ هذا الزواج فإنه يجوز أن يبقى خبره بعيداً عن والديك، ولا يجب عليكِ إخبارهما به.

رابعاً:

ولو كان الوليُّ مسلماً فإنه لا يجوز له إجبار ابنته على الزواج بمن لا ترغب، وقد جعلت الشريعة الإسلامية المطهرة رضاها أحد أركان العقد، ولا يكون العقد صحيحاً إذا كانت مكرهة عليه، وإن ثبت إكراهها على الزواج: فإن القاضي المسلم يخيرها بين إمضاء العقد أو فسخه.

كما لا يجوز للوالدين أو أحدهما أن يجبر ابنه على نكاح من لا يرغب، ولم يجعل الله تعالى رضا الوالدين أو أحدهما شرطاً من شروط صحة نكاح الابن، لكن ينبغي للابن أن يترفق بوالديه عندما يرفض الاستجابة لرغبتهما، وعليه أن يبذل وسعه لكسب رضاهما عنه وعن زواجه بمن يرغب.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" لا يجوز أن يجبر الوالد ابنه على أن يتزوج امرأة لا يرضاها سواء كان لعيب فيها ديني أو خلقي، وما أكثر الذين ندموا حين أجبروا أولادهم أن يتزوجوا بنساء لا يريدونهن، يقول: تزوجها لأنها بنت أخي، أو لأنها من قبيلتك، وغير ذلك، فلا يلزم الابن أن يقبل، ولا يجوز لوالده أن يجبره عليها. وكذلك لو أراد أن يتزوج بامرأة صالحة، ولكن الأب منعه، فلا يلزم الابن طاعته، فإذا رضى الابن زوجة صالحة، وقال أبوه: لا تتزوج بها، فله أن يتزوج بها ولو منعه أبوه، لأن الابن لا يلزمه طاعة أبيه في شي لا ضرر علي أبيه فيه، وللولد فيه منفعة، ولو قلنا: إنه يلزم الابن أن يطيع والده في كل شي حتى في ما فيه منفعة للولد ولا مضرة فيه على الأب لحصل في هذا مفاسد، ولكن في مثل هذه الحال ينبغي للابن أن يكون لَبِقاً مع أبيه، وأن يداريه ما استطاع وأن يقنعه ما استطاع " انتهى.

" فتاوى المرأة المسلمة " (٢ / ٦٤٠، ٦٤١) .

خامساً:

عليك بذل ما تستطيعين من أجل إنقاذ والديكِ وإدخالهما في الإسلام، حتى تتم لكِ ولهما السعادة الدنيوية والأخروية، ويمكنك أن تسلكي طرقاً كثيرة متعددة لدعوتهم إلى الإسلام، ومنها: أن تراسليهم بالبريد الإلكتروني – مثلاً – دون أن يعلموا أن الرسائل منكِ، ويمكنك تزويد عنوانهم لبعض المختصين بالعلوم الشرعية والدعوة ليقوموا بالمهمة عنكِ، كما يمكنك الاستعانة بالمركز الإسلامي القريب منهم ليقوم بعض الدعاة بزيارتهم ودعوتهم، ويمكنك مراسلتهم بالبريد العادي وتزويدهم بأشرطة وكتيبات تعرِّف بدين الإسلام.

وأنتِ أعلم بحالهم من غيرك، وقد يكون إخبارهم بإسلامك فتح باب أمامهم للدخول في الإسلام، فإن كان هذا واقعاً فأخبريهم، وإن رأيتِ أن لا نفع من هذا، وأنه يؤثر فيهم سلباً أو قد يتسبب في التضييق عليك فلا تخبريهم، ويمكن تأجيل ذلك فترة حتى يفتح الله عليهم، واستعيني بالله تعالى وتضرعي إليه بالدعاء الصادق أن يهديهم.

نسأل الله تعالى لك الثبات على هذا الدين، ونسأله تعالى أن يهدي والديك للإسلام.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>