للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العناية الجائزة بالقبور والعناية المحرمة

[السُّؤَالُ]

ـ[أحد أقاربي طلب من بقية إخوانه أن يتبرعوا ببعض المال للاعتناء بقبر والدتهم، والذي أصبح عليه الكثير من الغبار، وحوله الكثير من الأشجار الصغيرة، هذا القبر محوط بقضبان حديدية ومطلي بطلاء أبيض، ومكتوب عليه اسمها وتأريخ مولدها....الخ. فهل يجوز لهم أن يدفعوا بعض المال لكي يعتنوا به؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولا:

للقبر في الشريعة الإسلامية قدر كبير من الحرمة، لا يجوز لأحد التهاون فيه ولا الاعتداء عليه، حتى لقد حرَّم النبي صلى الله عليه وسلم الجلوس على القبر تحريما شديدا، فقد جاء عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (لَأَنْ يَجْلِسَ أَحَدُكُمْ عَلَى جَمْرَةٍ فَتُحْرِقَ ثِيَابَهُ فَتَخْلُصَ إِلَى جِلْدِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَجْلِسَ عَلَى قَبْرٍ) رواه مسلم (٩٧١) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٤٣٠٩) ، (٤٦٩٨)

وهذه الحرمة تقتضي من المسلمين العناية بالقبر بالقدر الذي يحفظ للميت حرمته، ويصون كرامته، ولا يعرضه للأذى والامتهان، وذلك يكون بالوسائل الآتية:

١- وضع شاخص عند رأس القبر كما وضع النبي صلى الله عليه وسلم علامة عند قبر الصحابي الجليل عثمان بن مظعون، رواه أبو داود (٣٢٠٦) ، يقول النووي رحمه الله: " السنة أن يجعل عند رأسه علامة شاخصة، من حجر أو خشبة أو غيرهما، هكذا قاله الشافعي والمصنِّف [يعني:الشيرازي] وسائر الأصحاب " انتهى. " المجموع " (٥/٢٦٥) ، وانظر جواب السؤال رقم: (٨٩٩١)

٢- رفع القبر قدر شبر فقط ولا يزاد عليه، هكذا كان قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم: يقول ابن قدامة رحمه الله: " يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ليعلم أنه قبر , فيتوقى ويترحم على صاحبه ... ولا يستحب رفع القبر إلا شيئا يسيرا " انتهى. " المغني " (٢/١٩٠) .

ونقل في "الموسوعة الفقهية " (١١/٣٤٢) اتفاق الفقهاء عليه، وانظر جواب السؤال رقم: (٨٣١٣٣)

٣- ينبغي إحاطة المقبرة كلها بسور يحفظها ويميزها عما حولها، ويقيها من أذى الأولاد الصغار وأذى الدواب التي قد تمتهن القبور. ينظر: فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (٣/٢١١-٢١٢) ، أحكام المقابر، للسحيباني (٤٥٧) .

ثانيا:

وأما الوسائل المحرمة التي يقوم بها بعض الناس لحفظ قبور أقربائهم، فهي متنوعة، تختلف بحسب اختلاف البيئات؛ فمن ذلك:

١- رفع القبر عن الأرض أكثر من شبر بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: (لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ) رواه مسلم (٩٦٩)

٢- البناء على القبور، أي بناء كان، مرتفعا أو غير مرتفع، على شكل قبة أو مقام أو أي شكل من أشكال البناء. جاء في " الموسوعة الفقهية " (٣٢/٢٥٠) : " ذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى كراهة البناء على القبر في الجملة , لحديث جابر: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يبنى عليه. وسواء في البناء بناء قبة أم بيت أم غيرهما. وقال الحنفية: يحرم لو للزينة , ويكره لو للإحكام بعد الدفن " انتهى.

٣- طلاء القبر بالدهان أو الجص أو غير ذلك من أنواع الزينة، جاء في " الموسوعة الفقهية " (٣٢/٢٥٠) : " واتفق الفقهاء على كراهة تجصيص القبر , لما روى جابر رضي الله تعالى عنه: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يقعد عليه، وأن يبنى عليه. قال المَحَلِّي: التجصيص التبييض بالجص، وهو الجير. قال عميرة: وحكمة النهي التزيين , وزاد إضاعة المال على غير غرض شرعي " انتهى.

٤- إحاطة القبر بسور ـ سوى سور المقبرة الذي يحميها من العبث والامتهان ـ أو سياج لما فيه من شبه بالبناء المحرم على القبور، يقول الشيخ الألباني رحمه الله: " إحاطة القبر بهذه المقصورة على هذا الشكل المزخرف، إنما هي نوع آخر من المنكر الذي يحمل الناس على معصية الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، وتعظيم صاحب القبر بما لا يجوز شرعاً، مما هو مشاهد معروف " انتهى. " تحذير الساجد " (ص/٨٩)

٥- الكتابة على القبور، من المدح والثناء، أو الرثاء، أو نحو ذلك مما يدخل في معنى النياحة على الميت، أو يفتح باب التعظيم والغلو فيه.

٦- غرس الأشجار على القبور، وزراعة النبات الأخضر عليه، فليس ذلك من عادات المسلمين في قبورهم، بل من عادات النصارى، وقد سبق بيان ذلك أيضا في جواب رقم: (١٤٣٧٠) ، (٤١٦٤٣) ، (٤٨٩٥٨)

ثالثا:

وبناء على ما سبق، فإن الصيانة المشروعة للقبر لا تكاد تحتاج إلى مال ينفق عليها، ما دام القبر مصونا عن الامتهان والأذى، وأما طلاؤه وتشييده والبناء عليه فهذا كله من العناية الممنوعة بالقبر، وهكذا إحاطته بقضبان حديدية. وكون القبر عليه غبار: ليس من امتهان القبر في شيء؛ بل هذا هو شأن القبور دائما: أن يدفن أهلها تحت التراب.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>