تعاني من الوحدة والضيق بعد الطلاق وتبحث عن الحل
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا مطلقة منذ خمس سنوات لدي طفلان، أحدهما تسع سنوات والآخر عشر سنوات. الحمد لله واجباتي تجاههم أؤديها على أكمل وجه. أنا إنسانة متدينة أواظب على الصلاة والأذكار والدعاء وأعمل في هذه الحياة من أجل أطفالي. دائما يراودني شعور قاس جدا وهو شعوري بالوحدة القاتلة، إضافة إلى ذلك الضيق والهم في داخلي، مع أنني إنسانة تحب الحياة بما يحب الله ويرضي، أحس بحاجتي الماسة للزواج لأنني بدأت أضجر وغضبي يزداد على كل شئ في حياتي حتى أتفه الأشياء. أحس وكأنني بعالم مغلق، أنا فيه وحدي فقط والكآبة، مع العلم أنه من يراني سواء في عملي أو أثناء الزيارات يقول لي: يظهر على وجهك الاكتئاب. فضلا عن ذلك حاجتي بالشعور بأنني أحيا الحياة ولست مركونة في زاوية من زواياها القاتمة، ولا أريد أن يسيطر علي هذا الشعور، لأنه بدأ يؤثر علي بشكل مباشر في العمل، وعلاقاتي بالأهل والأقارب والأصدقاء، دائمة السكوت والصمت، دائمة الانعزال عن الناس كي لا يروني ووشاح الكآبة يخيم على وجهي. لست قادرة على رسم البسمة على شفاهي وأعتبره شيئا صعبا بالنسبة لي، فأنا في دوامة لا نهاية لها: الطلاق والأولاد وحاجتي لزوج واستقرار. يراودني شعور بعدم رغبتي بالحياة، أنا أعلم أنه شئ خاطئ، لكن تركيبة الإنسان من شعور وعقل، وأنا امرأة، لا أعلم إن كان يحق لي الكلام بهذا الموضوع أم لا يحق لي؟ الحياة أتعبتني جدا، أسير في أي مكان، وأجلس بمجالس الأهل والأقارب والأصدقاء ولا يزال تفكيري بهذا الموضوع دائما ... أريد أن أمارس حياتي بشكل طبيعي. لا أعلم ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يمن عليك بالاستقرار والاطمئنان، وأن يذهب عنك ما تجدين من الضيق والهم، وأن ييسر لك أسباب الخير والفلاح.
وما ذكرتيه من المتاعب والآلام، لا نقول إنه يلحق كل من تمر بمثل ظروفك، ولكن على الأقل هناك قدر من المتاعب يصيب المرأة حين تفقد الزوج، وتضطلع هي بأعباء الحياة. ثم تتفاوت النساء في القدرة على التحمل، وفي محاولتهن للتغلب على ذلك، فهناك عدد من المطلقات استطعن التغلب على هذه المشاكل، وعشن حياتهن في سعادة واطمئنان، وهذا راجع لأسباب ومقومات، هي الحل بالنسبة لك إن شاء الله، وهذه بعضها، لتتأمليها جيدا، وتسعين في تطبيقها، لتعود لك السعادة التي تنشدينها:
١- توثيق الصلة بالله تعالى، ومن ذلك الإيمان بأن هذه المشكلة وغيرها واقعة بقضاء الله تعالى وقدره، وأن الله تعالى أرحم بك من الوالدة بولدها، وأن قضاءه خير لعبده، في العاجل والآجل، فالمصائب تكفر السيئات، والصبر عليها يرفع الدرجات، والله إذا أحب عبدا ابتلاه.
٢- أنك بين أمرين: أن تعيشي حزينة مهمومة متألمة، أو تصبري وتحتسبي، لتنالي الأجر والرفعة. وحزنك لا يقدم ولا يؤخر، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلاءِ، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلاهُمْ، فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا، وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ) رواه الترمذي (٢٣٩٦) وابن ماجه (٤٠٣١) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
٣- التأمل في نعم الله تعالى، والسعي في شكرها، ومقارنة هذه النعم الكثيرة بالمصيبة الحاصلة. وهذا يفتح على القلب باباً إلى الرضا. فتأملي كم لله عليك من نعمة، في دينك، ونفسك، وصحتك، ومالك، وأولادك. وتأملي ما يصيب غيرك من المصائب، فكم من امرأة مقعدة، وأخرى مصابة في أبنائها، وثالثة مبتلاة في دينها، ورابعة تئن من المرض، وخامسة وسادسة. وإذا تأملت هذا وجدت نفسك في نعم تحسدين عليها، ووجدت في الناس من هو أعظم مصابا منك وألماً. وهذا يهون عليك، ويدعوك للحمد والشكر والاعتراف بفضل الله ورحمته.
٤- التأمل في المصيبة النازلة بك، ورؤية ما يحفها من النعم، فكم من امرأة متزوجة، تعاني من مضايقة الزوج وأذاه، وتسلطه وقسوته، ونكد الحياة معه، وأنت قد سلمت من ذلك كله، فاحمدي الله.
٥- شغل الوقت بالنافع من أمور الدنيا والآخرة. ومن ذلك: الالتحاق بأحد مراكز تحفيظ القرآن الكريم، وحضور المحاضرات الدينية، وقراءة الكتب النافعة، وتعلم شئ من الأشغال المنزلية كالخياطة ونحوها.
٦- الاهتمام بالقضية الكبرى، والغاية العظمى، وهي نيل مرضاة الله تعالى والفوز بجنته، والنجاة من ناره. وهذا يتطلب التشمير والجد والاجتهاد، وعليه يكون الفوز الحقيقي، والسعادة الحقيقية في الحياة الدائمة. قال سبحانه: (فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ) آل عمران/١٨٥.
٧- اليقين والثقة بأن ما عند الله خير لك، وأنه أرحم الراحمين، وأنه مع المتقين، ويحب المحسنين، ويجزي الصابرين، ويسعد المؤمنين، كما قال: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) النحل/٩٧.
والحذر من شكايته سبحانه إلى خله، فهي شكاية الذي يرحم، للمخلوق الذي لا يرحم.
قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِالنَّاسِ لَمْ تُسَدَّ فَاقَتُهُ، وَمَنْ نَزَلَتْ بِهِ فَاقَةٌ فَأَنْزَلَهَا بِاللَّهِ فَيُوشِكُ اللَّهُ لَهُ بِرِزْقٍ عَاجِلٍ أَوْ آجِلٍ) رواه الترمذي (٢٣٢٦) وأبو داود (١٦٤٥) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
٨- أكثري من هذا الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا. قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا) رواه أحمد وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٩٩) .
نسأل الله أن يفرج همك ويبدلك مكانه فرجا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب