ما ورد في تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت
[السُّؤَالُ]
ـ[بالنسبة لمسألة تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت (أي هل يموتون الآن أم بعد مدة) كما حصل معه عليه أفضل الصلوات وأتم التسليم، كيف نقول بالنسبة لمن قتل منهم أي الأنبياء والرسل، هل خُيروا أم لم يُخيروا؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن كل نبي يخير عند موته بين الدنيا والآخرة، جاء ذلك في روايات عدة عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت:
(كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ. فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِي عَلَيْهِ، فَلَمَّا أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى. فَقُلْتُ: إِذًا لَا يُجَاوِرُنَا. فَعَرَفْتُ أَنَّهُ حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ)
رواه البخاري (٤٤٣٧) ومسلم (٢٤٤٤)
وعنها رضى الله عنها قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
(مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ إِلَاّ خُيِّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ. وَكَانَ فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ أَخَذَتْهُ بُحَّةٌ شَدِيدَةٌ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: (مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ) فَعَلِمْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ) رواه البخاري (٤٥٨٦)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" قوله: (كنت أسمع أنه لا يموت نبي حتى يُخَيَّر) ولم تصرح عائشة بذكر من سمعت ذلك منه في هذه الرواية، وصرحت بذلك في الرواية التي تليها من طريق الزهري عن عروة عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صحيح يقول: (إنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيى أو يخير) وهو شك من الراوي، هل قال يُحَيَّى، أو يُخَيَّر.
وعند أحمد من طريق المطلب بن عبد الله عن عائشة: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (ما من نبي يقبض إلا يرى الثواب ثم يخير)
ولأحمد أيضا من حديث أبي مويهبة قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني أوتيت مفاتيح خزائن الأرض والخلد ثم الجنة، فخيرت بين ذلك وبين لقاء ربي والجنة فاخترت لقاء ربي والجنة)
وعند عبد الرزاق من مرسل طاوس رفعه: (خيرت بين أن أبقى حتى أرى ما يفتح على أمتي وبين التعجيل فاخترت التعجيل) " انتهى من " فتح الباري " (٨/١٣٧)
وقال أيضا:
" هذه الحالة من خصائص الأنبياء أنه لا يقبض نبي حتى يخير بين البقاء في الدنيا وبين الموت " انتهى من " فتح الباري " (١٠/١٣١)
ومن ذلك قصة استئذان ملك الموت على نبي الله موسى عليه السلام فلطمه موسى ففقأ عينه وهي مروية في الصحيحين أيضا.
يقول الدكتور عمر الأشقر حفظه الله:
" مما تفرد به الأنبياء أنّهم يخيَّرون بين الدنيا والآخرة " انتهى من " الرسل والرسالات " (ص/٦٣)
ثانيا:
لما كان تخيير الرسل والأنبياء قبل الموت من عالم الغيب الذي لم نطلع عليه إلا بواسطة الوحي الصحيح، لم يجز لنا أن نتكلم في تفاصيله بغير علم ولا هدى، بل يجب الوقوف عند حدود النصوص الواردة في هذا الموضوع، وهي نصوص عامة لم تستثن أحدا من الأنبياء، بل جاءت بصيغة تؤكد العموم، ففي الرواية الأولى بلفظ: (لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ) ، وفي الرواية الثانية بلفظ: (مَا مِنْ نَبيٍّ يَمْرَضُ) ، فيظهر أنها تعم كل نبي، سواء مات ميتة طبيعية على فراشه، أو قتل شهيدا باعتداء المعتدين.
هذا ما يمكننا قوله، ولا نستطيع تجاوز ذلك.
ثالثا:
لا يفوتنا التنبيه هنا على كثرة الكذب في هذا الموضوع، فقد رويت أحاديث كثيرة ضعيفة تذكر قصة استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم ليقبض روحه، وما دار من حوار طويل بينهما، سبق التنبيه عليه في جواب السؤال رقم: (٧١٤٠٠)
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله:
" وأما الجواب عن - استئذان ملك الموت على النبي صلى الله عليه وسلم - فهو أنّ الحديث في ذلك لا يَصِحُّ، ولا عبرة بسكوت بعض أهل السِّيَرِ عليه , ولا بذكره في بعض الخُطَب التي قَلَّمَا تحرى أصحابها الصحاح من السنن والآثار , بل أولع أكثرهم بالواهيات والموضوعات " انتهى من " مجلة المنار " (١١/٣٥٢)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب