الجهل الذي يعذر صاحبه هو الجهل بالحكم لا بالعقوبة
[السُّؤَالُ]
ـ[أعرف أن ترك الصلاة عمداً بسبب الكسل يعتبر كفراً أكبر والشخص الذي يفعل ذلك يعتبر كافراً إلا إذا كان لديه عذر الجهل، ولكن ماذا يعنى عذر الجهل؟ جهل أن الصلاة فرض؟ أم الجهل بحقيقة أن ترك الصلاة عمداً كفر؟ أرجوك وضح لي مع بعض الاقتباسات من علماء السلف.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الجهل الذي يعذر به صاحبه هو الجهل بالحكم، فمن ترك واجباً وهو لا يعلم أنه واجب، أو فعل محرماً وهو لا يعلم أنه محرم فهذا هو الجاهل الذي يعذر بجهله.
أما من علم أن هذا الفعل محرم ففعله وهو يجهل العقوبة المترتبة عليه، فهذا لا يعتبر عذراً، لأن صاحبه أقدم على المعصية وانتهك الحرمة وهو يعلم.
فمن زنى – مثلاً – وهو لا يدري أن الزنى حرام، فلا شيء عليه، ويعذر بجهله.
أما من علم أن الزنى حرام ولكنه جهل أن الزاني عليه الحد فهذا لا يعذر، ويجب إقامة حد الزاني عليه، إذا توفرت شروط إقامته.
وكذلك من ترك الصلاة وهو يجهل أنها فرض، فهذا يعذر بجهله ولا يكفر، أما من تركها وهو يعلم أن تركها حرام ولكن لا يعلم أن تركها كفر فهذا لا يعذر.
وهذه أدلة ما سبق مع أقوال أهل العلم:
أ. منْ كان جاهلاً بالحكم المنهيِّ عنه، وفعله، وكان في إتيانه حدٌّ أو كفارةٌ: فلا شيء عليه.
والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم لمن اعترف على نفسه بالزنا " فهلْ تَدْرِي مَا الزِّنَا؟ ". رواه أبو داود (٤٤٢٨) ، والحديث أصله في الصحيحين.
قال ابن القيم - وصحَّحَ رواية أبي داود – فيه: أنَّ الحدَّ لا يجب على جاهلٍ بالتحريم؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم سأله عن حكم الزنى، فقال " أَتَيْتُ مِنْها حَرَاماً ما يأتي الرجل من أهله حلالاً. اهـ. "زاد المعاد " (٥ / ٣٣) .
ب. وإن كان عالماً بالتحريم، جاهلاً بما يترتب عليه من حد أو كفارة أو غير ذلك: فيجب إقامةُ الحدِّ عليه لجرأته على فعل الحرام، ويجب عليه إخراج الكفارة إن كان الذنب له كفارة.
والدليل: حديث " ماعز " - رضي الله عنه - واعترافه على نفسه بالزنى، وفيه قوله " يَا قَوْمِ رُدُّوني إِلى رَسُولِ الله صلى الله عليه وسلم فإنَّ قَوْمي قَتَلُوني وَغَرُّوني مِنْ نَفْسِي " رواه أبو داود (٤٤٢٠) وجوّد إسنادَه الألبانيُّ رحمه الله في " الإرواء " (٧ / ٣٥٤) ، فهذا الصحابي رضي الله عنه كان عالماً بالتحريم جاهلاً بالعقوبة.
قال ابن القيم رحمه الله: وفيه: أنَّ الجهل بالعقوبة لا يُسقِط الحدَّ إن كان عالماً بالتحريم فإنَّ "ماعزاً" لم يعلم أنَّ عقوبته القتل، ولم يُسقط هذا الجهلُ الحدَّ عنه. " زاد المعاد " (٥ / ٣٤) .
وكذلك الصحابي الذي جامع امرأته في نهار رمضان حيث كان عامداً عالماً بحرمته – كما قال الحافظ ابن حجر في " الفتح " (٤ / ٢٠٧) - بدليل قوله " هَلَكْتُ "، وفي رواية " احْتَرَقْتُ "، فقد أوجب النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم عليه الكفارة ولم يعذره بجهله بها، رواه البخاري (١٨٣٤) ومسلم (١١١١) .
وقال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله -
فإن قال قائل: الرجل الذي جاء إلى الرسول صلّى الله عليه وسلّم أليس جاهلاً؟
فالجواب: هو جاهل بما يجب عليه، وليس جاهلاً أنه حرام، ولهذا يقول " هلكت "، ونحن إذا قلنا إن الجهل عذر، فليس مرادنا أن الجهل بما يترتب على هذا الفعل المحرم، ولكن مرادنا الجهل بهذا الفعل، هل هو حرام أو ليس بحرام، ولهذا لو أن أحداً زنى جاهلاً بالتحريم، وهو ممن عاش في غير البلاد الإسلامية، بأن يكون حديث عهد بالإسلام، أو عاش في بادية بعيدة لا يعلمون أن الزنى محرّم فزنى فإنه لا حدّ عليه، لكن لو كان يعلم أنّ الزنى حرام، ولا يعلم أن حده الرجم، أو أن حده الجلد والتغريب، فإنه يحد لأنه انتهك الحرمة، فالجهل بما يترتب على الفعل المحرم ليس بعذر، والجهل بالفعل هل هو حرام أو ليس بحرام، هذا عذر." اهـ. الشرح الممتع (٦/٤١٧)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب