لماذ لم يُسمِّ الله نفسه بالمتكلم؟
[السُّؤَالُ]
ـ[لماذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
يمكننا – للتوضيح – أن نعبر عن السؤال بصيغة أخرى فنقول:
هل يجوز أن يُشتَقَّ من صفاتِ الله تعالى وأفعالِه التي أثبتها الله لنفسه أسماءً له عز وجل يتسمى بها، ليدعوه بها عبادُه، ويحصوها مع أسمائه حتى ينالوا الأجر المذكور في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ) رواه البخاري (٢٧٣٦) ومسلم (٢٦٧٧) ، أم أنَّ هناك ضابطًا في اشتقاق الأسماء الحسنى من الصفات والأفعال؟
لا بد أولا من إرجاع الحكمة إلى الله تعالى، فهو سبحانه صاحب الكمال المطلق، يتسمى ويتصف بما هو أهل له، والعباد إنما يتلمَّسون شيئا مما بينه لهم في كتابه من كماله وجلاله وعظمته، فإليه يرجع الأمر كله، وله الحكمة البالغة سبحانه وتعالى.
إلا أننا نحاول الوقوف على فقه أسمائه وصفاته من خلال ما ورد في الكتاب والسنة، نتأمل في ذلك لعلنا نصل إلى ضابط في تحديد الأسماء الحسنى.
وقد اختلف العلماء فيما سأل عنه الأخ الكريم، مما أدى إلى اختلافهم في تعداد أسماء الله الحسنى ووضع الضابط لها، فقد جعل بعضهم الأمر تعبديا محضا ليس فيه شيء من معاني القياس أو الاجتهاد كما فعل ابن حزم، وتوسع بعضهم فأجاز تسمية الله بالمتكلم والمريد وبكل اسم جاء وصف الله تعالى بمعناه في الكتاب أو السنة، وهذا مذهب ابن العربي المالكي وغيره.
وتوسط بعض أهل العلم، فتأملوا في موارد الأسماء الحسنى، فوجدوا أن الصفة إذا كانت صفة مدح مطلق ولا تحتمل الذم بوجه من الوجوه: كالسمع والبصر، فحينئذ يأتي في النصوص اشتقاق الاسم منها فيسمي الله نفسه بـ " السميع " و " البصير ".
أما إذا كانت الصفة تحتمل النقص والذم بإحدى الوجوه: كالكلام مثلا، فإن الكلام قد يكون كذبا وظلما وسُوءًا، فيكون نقصا يفضل السكوت عليه، فحينئذ لا نجد اشتقاقا للاسم من هذه الصفة، ولا نجد من أسماء الله: المتكلم.
وهذا هو تقرير العلامة ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وقول أكثر علمائنا المعاصرين.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى في "شرح العقيدة الأصفهانية" (١/١٩-٢٠) :
" وأما تسميته سبحانه بأنه مريد وأنه متكلم:
فإن هذين الاسمين لم يردا في القرآن، ولا في الأسماء الحسنى المعروفة، ومعناهما حق، ولكن الأسماء الحسنى المعروفة هي: التي يدعى الله بها، وهي التي جاءت في الكتاب والسنة، وهي التي تقتضي المدح والثناء بنفسها.
والعلم والقدرة والرحمة ونحو ذلك هي في نفسها صفات مدح، والأسماء الدالة عليها أسماء مدح.
وأما الكلام والإرادة: فلما كان جنسه ينقسم إلى محمود: كالصدق والعدل، وإلى مذموم: كالظلم والكذب، والله تعالى لا يوصف إلا بالمحمود دون المذموم ... فلهذا لم يجئ في أسمائه الحسنى المأثورة: المتكلم والمريد " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله في "بيان تلبيس الجهمية" (٢/١٠-١١) :
" وذلك أن الله سبحانه له الأسماء الحسنى، كما سمى نفسه بذلك، وأنزل كتبه، وعلَّمه من شاء من خلقه، كاسمه: الحق، والعليم، والرحيم، والحكيم، والأول، والآخر، والعلي، والعظيم، والكبير، ونحو ذلك.
وهذه الأسماء كلها أسماء مدح وحمد، تدل على ما يحمد به، ولا يكون معناها مذموما ...
والله له الأسماء الحسنى، ليس له مثل السوء قط، فكذلك أيضا الأسماء التي فيها عموم وإطلاق لما يحمد ويذم، لا توجد في أسماء الله الحسنى؛ لأنها لا تدل على ما يحمد الرب به ويمدح " انتهى.
ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى كما في "مختصر الصواعق" (٢/٣٤)
" لم يأت في أسمائه الحسنى المريد والمتكلم ولا الفاعل ولا الصانع لأن مسمياتها تنقسم إلى ممدوح ومذموم، وإنما يوصف بالأنواع المحمودة منها كالحليم والحكيم والعزيز والفعال لما يريد " انتهى.
ويقول أيضا رحمه الله في "مدارج السالكين" (٣/٤١٥-٤١٦) :
" وما كان مسماه منقسما – يعني إلى كامل وناقص - لم يدخل اسمه في الأسماء الحسنى: كالشيء والمعلوم، ولذلك لم يسم بـ " المريد "، ولا بـ " المتكلم "، وإن كان له الإرادة والكلام؛ لانقسام مسمى " المريد " و " المتكلم "، وهذا من دقيق فقه الأسماء الحسنى، فتأمله وبالله التوفيق " انتهى.
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى "شرح الواسطية" (١/٨٦) :
" ولهذا لم يسم الله نفسه بالمتكلم، مع أنه يتكلم؛ لأن الكلام قد يكون خيراً، وقد يكون شراً، وقد لا يكون خيراً ولا شراً، فالشر لا ينسب إلى الله، واللغو كذلك لا ينسب إلى الله، لأنه سفه، والخير ينسب إليه، ولهذا لم يسم نفسه بالمتكلم، لأن الأسماء كما وصفها الله عز وجل: (ولله الأسماء الحسنى) الأعراف/١٨٠، ليس فيها أي شيء من النقص، ولهذا جاءت باسم التفضيل المطلق " انتهى.
وانظر جواب السؤال رقم (٣٩٨٠٣) ، (٤٨٩٦٤)
وللتوسع انظر كتاب "معتقد أهل السنة والجماعة في أسماء الله الحسنى" للدكتور محمد بن خليفة التميمي (٥٠-٥٩)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب