انتكس زوجها وغير معاملته لها وارتكب المحرمات فماذا تصنع؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات، ولدي ولدان وبنت، لم أتزوج عن حب، ولكن أحببت زوجي كثيراً؛ لأنه كان في بداية زواجنا يقدرني ويناقشني في كل أموره، وكان يُسمعني من كلمات الحب والغرام حتى أحببته بكل جوارحي، وبصراحة كان يصلى في المسجد، ويساعدني في كل شيء، في تربية الأولاد، وأعمال المنزل، وبعد أربع سنوات من عمر الزواج بدأ يكوِّن علاقات مع الشباب، وصدفة اكتشفت أنه يدخن الشيشة، وحزنت كثيراً عندما عرفت ذلك، ووعدني بأنه لن يفعلها مرة أخرى، ولكن للأسف الشديد فهو ما زال يدخن الشيشة وبإدمان لدرجة أنه يذهب إلى المقهى خلال فترة الصباح لكي يدخنها، وعندما منعته صرخ في وجهي بأن لا أتدخل في شؤونه، مع العلم بأنه مقصِّر في حقي وحق أولاده، وأصبح مشغولاً جدّاً مع أصدقائه، لدرجة أنه عندما يخرج في الصباح لا يرجع إلا آخر الليل، وحاولت أن أًدخل أهله في الموضوع، ولكن دون جدوى، فهو لا يسمع لأحد. أنا في حيرة من أمري، فهو عصبي جدّاً معي، ولكن مع أصدقائه يضحك ويمرح، كما أنه عندما أطلب منه أن نخرج معاً لا يرضى، وإذا خرجنا فإنه طوال الوقت صامت لا يتكلم، ويكون مشغولاً بالهاتف، إما برسائل، أو الرد على المكالمات، لدرجة في بداية الأمر ظننت بأن له علاقة بغيري، ولكن حسب تصرفاته أراه فقط مشغولاً بالأصدقاء، وأنا أحبه وأريده بكل جوارحي. ملاحظات: كان يصلِّي في المسجد، والآن تمر عليه صلوات دون أن يصليها، يُكثر من تجريحي وإهانتي، يصرخ في وجهي أمام الأولاد، وأمام أي شخص دون مراعاة لمشاعري، كثير الرحلات مع الأصدقاء، مدمن الشيشة، مسرف في ملابسه وأناقته، ولا يبالي بنواقص واحتياجات المنزل والأولاد، كثير الديون، ولا يملك أي شيء ثمين، علماً بأني أعمل وأصرف على نفسي، وأدفع الإيجار، وراتب الشغالة، وكثير من مصاريف البيت، وهو لا يبالى، فكيف أتصرف معه؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
مشكلات بيوت الزوجية كثيرة، وإذا كانت هذه المشكلات من طرف الزوج: فلا بدَّ للمرأة العاقلة من البحث عن أسباب تغير معاملة زوجها لها، وسبب إحداثه المشكلات في حياتها، فقد تكون مخالِفة لأوامره، معاندة في تصرفاتها، أو مقصرة في طاعته، أو مهملة في بيتها وتربية أولادها، وغير ذلك من الأسباب، ولا يُتصور وجود حياة زوجية سعيدة، ثم تنقلب الأمور فجأة إلى كراهية الزوجة، وحب السهر خارج البيت، وشرب الشيشة، وغيرها إلا أن تكون ثمة أسباب دفعت هذا الزوج لمثل هذه الأفعال، وإن كنا نعلم أنه في كثير من الأحيان لا يكون للزوجة يد في هذه الأسباب؛ بل تكون انتكاسة ألمت بالرجل بعد استقامته، نسأل الله الثبات والهداية، أو رفقة سوء أحاطت به، حتى أضلته عن صراط ربه المستقيم، ومصالح معاشه ومعاده، كما هو الظاهر من المشكلة التي أمامنا.
وإذا تبين للزوجة أن لا دخل لها فيما حدث لزوجها من تغيرات: فإنه ابتلاء من الله لها، فعليها أن تختار بين الصبر على ما يفعله زوجها، مع مداومة النصح والدعاء، أو طلب الفراق، إذا لم يمكنها الصبر على أذاه، أو كانت تخشى على نفسها أو دينها أو ولدها إذا بقيت معه، أو وصل في معصيته إلى حد الكفر، والعياذ بالله.
ثانياً:
على الزوجة أن تبذل وسعها في نصح زوجها، وتذكيره، بالتي هي أحسن، ولا تعنِّف في الكلام، ولا تعبس في وجهه، بل تتلطف في اللفظ والمعاملة، وتخبر أهلها ليجعلوا أحد المقربين له من أهل الخير ينصحه ويذكره ويوجهه للصواب، مع حرصها على الدعاء في سجودها، وفي آخر الليل أن يهديه ربه ويوفقه.
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله -:
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة؛ لأن الله تعالى يقول: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) النساء/١٩، ويقول صلى الله عليه وسلم: (وإن لزوجك عليك حقًا) - رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما -، وإذا أساء عشرتها: فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر، وأن تؤدي ما له عليها من حق؛ ليكون لها الأجر في ذلك، ولعل الله أن يهديه، قال الله تعالى: (وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فصّلت/٣٤.
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " (٤ / ١٧٧) .
وإذا كان ثمة معاصٍ يرتكبها وتستطيع الزوجة الصبر عليها: فإن تركه للصلاة ليس من هذا الباب؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة، فلا تمكنه منها إلا أن يرجع لصلاته.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله -:
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة، كالمخدرات، ونحو ذلك، وهي تعاني من هذا الرجل، وهي امرأة فيها صلاح، وإيمان - نحسبها كذلك، والله حسيبها - ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى، ولكن بدون جدوى؟ فما رأيك؟ هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه؟ وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة.
فأجاب:
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي؟ .
الائل:
يصلي بتهاون، أحياناً في البيت، وأحياناً في العمل، وأحياناً يتأخر.
الجواب:
أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد: فلها الحق في طلب الفسخ، ويفسخ النكاح، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ؛ لأنها معها أولاد، يحصل مشاكل في الفسخ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر: فلا حرج عليها أن تبقى معه؛ خوفاً من المفسدة، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي: فهذا لا تبقى معه طرفة عين.
" لقاءات الباب المفتوح " (١٣ / السؤال رقم ١٨) .
ثالثاً:
يجب على الأزواج أن يتقوا الله تعالى في زوجاتهم، ولْيعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بعشرتهن بالمعروف، وأمرهم بإمساكهن بمعروف، وأخبرهم أنه قد يكره الواحد منهم زوجته ويجعل الله فيها خيراً كثيراً، وهكذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم، أنه إن ساءه منها خلُق فليرض بما لها من أخلاق حسنة.
قال تعالى: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً) النساء/من الآية١٩.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ: غَيْرَهُ -) . رواه مسلم (١٤٦٩) .
وليعلم هؤلاء الأزواج أن قدوتهم هو النبي صلى الله عليه وسلم، وقد كان خير زوج لنسائه.
قال ابن كثير – رحمه الله -:
وقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) أي: طيِّبُوا أقوالكم لهن، وحَسّنُوا أفعالكم، وهيئاتكم، بحسب قدرتكم، كما تحب ذلك منها، فافعل أنت بها مثله، كما قال تعالى: (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) البقرة/٢٢٨، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي) - رواه الترمذي (٣٨٩٢) وصححه -، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة، دائم البِشْرِ، يُداعِبُ أهلَه، ويَتَلَطَّفُ بهم، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته، ويُضاحِك نساءَه، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين؛ يَتَوَدَّدُ إليها بذلك، قالت: سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني، فقال: (هذِهِ بتلْك) – رواه أبو داود (٢٥٧٨) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " -، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب/٢١.
" تفسير ابن كثير " (٢ / ٢٤٢) .
على أننا، وبخصوص هذه المشكلة، نرى أن جزءا كبيرا من العلاج يكمن في إبعاد زوجك عن صحبة السوء التي شغلته عن بيته وأهله ودينه؛ فإن أمكن الاستعانة على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء الذي أفسدوا حاله، فهو أمر حسن.
ثم عليك أنت أيضا أن تستعيني بالله في تعويضه عن هذه الرفقة بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك، عسى الله أن يجعل لك ولزوجك من ذلك البلاء فرجا ومخرجا.
ونسأل الله تعالى أن يهدي زوجك، وأن يوفقه لمرضاته، وأن يجمع بين زوجته على خير.
وانظري جوابي السؤالين (٤٥٦٠٠) و (٩٤٦٣) .
والله الموفق
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب