وجدها ثيباً فطلقها واستمر في معاشرتها بالحرام
[السُّؤَالُ]
ـ[رجل تزوج فوجد امرأته غير بكر يوم زفافه فطلقها ولم يعلم أحد من أهلها أو أهله لا بالطلاق ولا بعدم عذريتها وكنوع من الانتقام منها أبقى عليها وعاشرها ولم يكن في نيته مراجعتها وأعلمها أنه يعاشرها وليس في نيته مراجعتها وقال لها إنه بعد مرور فترة سيقرر هل سيستمر معها أم لا على حسب ما يراه منها علماً بأن المعاشرة الجنسية استمرت بينهما وبعد مرور عامين استقرت الأمور بينهما واتفقا على الاستمرار, وكان يعلم أن بعد مرور العدة يجب عقد ومهر جديدين, وعرفها ذلك ولما لم يكن أحد يعلم بالطلاق فقد اتفقا على أنهما عند زيارة أسرتها يردد كلمة زوجتي في سياق الكلام أمام والديها وكذلك تكررت منه أمام أهله وأهلها واعتبرا بذلك أنه كعقد جديد (إيجاب وقبول بينهما وموافقة وليها الضمنية والشهود وهم كل معارفهما وأهلهما) واستغفرا ربهما عما سبق وبعد ذلك رزقا بطفل ثم آخر هل زواجهما صحيح؟ وإذا كان غير ذلك ماذا عليهما فعله؟ علماً بأنه مر على ذلك سبع سنوات (سنتين بعد الزفاف وخمس بعد اتفاقهما على الاستمرار) ؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إن المرء ليعجب ويحار أمام هذا العمل القبيح، والفعل الشنيع، والفاحشة المنكرة، التي تصدر من رجل يعزف عن الحلال إلى الحرام، ويرتكس في حمأة الزنا مدة عامين بدعوى الانتقام.
والمرأة موافقة له، غير منكرة عليه، رضيت بالإثم والنار، خوف الفضيحة والعار، فعاشا زانيين، يظنهما الناس زوجين، لكن حقيقة أمرهما لا تخفى على علام الغيوب، فما أحلم الله، وما أرحمه، إذ أمهلهما، ولم يأخذهما أخذ عزيز مقتدر.
وكيف غاب عن هذين الأحمقين شناعة ما أقدما عليه، وكيف نسيا وتناسيا ما في الزنا من العقاب الشديد، والعذاب الأليم، حتى إذا ما حانت لحظة فيء ورجوع، نراهما يحتالان ويتلاعبان، ويجريان ما اعتبراه عقدا ضمنيا، ونكاحا شرعيا!
وهذا دليل على تمكن الهوى من القلب عياذا بالله، فلم تكن الأنفة من فاقدة العذرية ابتداء لله، بل كانت لحظ النفس، ولم يكن الرجوع إلى الحق كما يرضى الله، بل على وجه يحمي هذه النفس الأمارة بالسوء، وإن رجلا هذا حاله جدير بأن يحذر بقية عمره من نفسه التي بين جنبيه خشية أن تورده المهالك من حيث يشعر أو لا يشعر.
ولسنا بهذا الكلام نقنطهما من رحمة الله، فإن رحمة الله واسعة، لا تضيق بهذا المذنب ولا بغيره، وحسبهما أن يتوبا إلى الله، ويلجئا إليه، ويكثرا من الاستغفار والندم، وأن يعلما أن ربهما عفو كريم تواب رحيم، وقد سترهما في الدنيا، ونسأله سبحانه أن يسترهما في الآخرة، لكن المقصود أن العبد عليه أن ينتبه لنقاط ضعفه، ومكمن الداء في نفسه، ليأخذها بالحزم والعزيمة والتربية قبل أن يستشري فسادها، ويستعصي علاجها.
ثانيا:
إذا طلق الرجل زوجته الطلقة الأولى أو الثانية، ولم يرجعها حتى انقضت عدتها، لم يجز له نكاحها إلا بعقد جديد ومهر جديد، على أن يكون العقد مستوفيا شروطه وأركانه، من وجود الولي والشاهدين، ورضا الزوجين، وأما هذا الإيجاب الضمني من الولي فلا وزن له، فإن المقصود من الإيجاب: أن يكون على وجه الإنشاء، فيقول الولي: زوجتك ابنتي، ويقول الخاطب: قبلت، وهذا لم يحصل، لأن الولي لا يدري انقطاع النكاح حتى يسعى لتجديده.
وعليه، فالواجب التفريق بين الزوجين حتى يتم عقد النكاح الصحيح بين الزوج وولي المرأة، في حضور شاهدين، وللزوجين أن يقولا: إنه حدثت طلقة ولم يتم الإرجاع حتى انقضت العدة، على وجه يُفهم منه قرب وقوع ذلك، سترا على أنفسهما، والله المستعان.
وأما الولد الذي رزقاه في تلك الفترة فهو منسوب إليهما، لاعتقادهما حل هذا النكاح.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإن المسلمين متفقون على أن كل نكاح اعتقد الزوج أنه نكاح سائغ إذا وطئ فيه فإنه يلحقه فيه ولده ويتوارثان باتفاق المسلمين , وإن كان ذلك النكاح باطلا في نفس الأمر باتفاق المسلمين..... فإن ثبوت النسب لا يفتقر إلى صحة النكاح في نفس الأمر ; بل الولد للفراش , كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الولد للفراش، وللعاهر الحجر) فمن طلق امرأته ثلاثا ووطئها يعتقد أنه لم يقع به الطلاق: إما لجهله. وإما لفتوى مفتٍ مخطئ قلده الزوج، وإما لغير ذلك , فإنه يلحقه النسب , ويتوارثان بالاتفاق ; بل ولا تحسب العدة إلا من حين ترك وطأها ; فإنه كان يطؤها يعتقد أنها زوجته , فهي فراش له فلا تعتد منه حتى تترك الفراش. ومن نكح امرأة نكاحا فاسدا , متفقا على فساده , أو مختلفا في فساده، أو ملكها ملكا متفقا على فساده , أو مختلفا في فساده، فإن ولده منها يلحقه نسبه , ويتوارثان باتفاق المسلمين. " انتهى اختصاراً من "الفتاوى الكبرى" (٣/٣٢٥) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم (٢٣٢٦٩) ورقم (١٠١٧٠٢) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب