[حكم التشبه بالكفار:]
إن من الأصول العظيمة التي هي من أصول ديننا الولاء للإسلام وأهله, والبراءة من الكفر وأهله, ومن حتميات تلك البراءة من الكفر وأهله تميز المسلم عن أهل الكفر, واعتزازه بدينه وفخره بإسلامه مهما كانت أحوال الكفار قوة وتقدما وحضارة , ومهما كانت أحوال المسلمين ضعفا وتخلفا وتفرقا ولا يجوز بحال من الأحوال أن تتخذ قوة الكفار وضعف المسلمين ذريعة لتقليدهم ومسوغا للتشبه بهم كما يدعو إلى ذلك المنافقون والمنهزمون ذلك أن النصوص التي حرمت التشبه بالكفار ونهت عن تقليدهم لم تفرق بين حال الضعف والقوة لأن المسلم باستطاعته التميز بدينه والفخر بإسلامه حتى في حال ضعفه وتأخره.
والاعتزاز بالإسلام والفخر به دعا إليه ربنا - تبارك وتعالى - واعتبره من أحسن القول وأحسن الفخر; حيث قال: (ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين) [فصلت: ٣٣] .
ولأهمية تميز المسلم عن الكافر أُمر المسلم أن يدعو الله تعالى في كل يوم على الأقل سبع عشرة مرة أن يجنبه طريق الكافرين ويهديه الصراط المستقيم: (اهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين) [الفاتحة: ٦ - ٧] وجاءت النصوص الكثيرة جدا من الكتاب والسنة تنهى عن التشبه بهم, وتبين أنهم في ضلال; فمن قلدهم فقد قلدهم في ضلالهم. قال الله تعالى: (ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون) [الجاثية: ١٨] وقال تعالى: (ولئن اتبعت أهوائهم بعد ما جاءك من العلم مالك من الله من ولي ولا واق) [الرعد: ٣٧] وقال تعالى: (ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءتهم البينات [آل عمران: ١٠٥] ويدعو الله تعالى المؤمنين إلى الخشوع عند ذكره سبحانه وتلاوة آياته ثم يقول: (ولا تكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون) [الحديد: ١٦] .
وما من شك أن مشابهتهم من أعظم الدلائل على مودتهم ومحبتهم, وهذا يناقض البراءة من الكفر وأهله, والله تعالى نهى المؤمنين عن مودتهم وموالاتهم, وجعل موالاتهم سببا لأن يكون المرء والعياذ بالله منهم; يقول الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة: ٥١] ، وقال تعالى: (لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم) [المجادلة: ٢٢] , يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: " المشابهة تورث المودة والمحبة والموالاة في الباطن, كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر "، وقال - أيضا - تعليقا على آية المجادلة: فأخبر سبحانه أنه لا يوجد مؤمن يواد كافرا ; فمن واد الكفار فليس بمؤمن; والمشابهة الظاهرة مظنة المودة فتكون محرمة " وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " من تشبه بقوم فهو منهم " أخرجه أبو داود في اللباس (١٢٠٤) وأحمد (٢/٠٥) وجو د إسناده شيخ الإسلام في الاقتضاء (١/٠٤٢) وانظر الفتاوى (٥٢/١٣٣) وعضده الحافظ في الفتح بمرسل حسن الإسناد (٦/٨٩) وحسنه السيوطي وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥٢٠٦) .
قال شيخ الإسلام: " وهذا الحديث أقل أحواله أن يقتضي تحريم التشبه بهم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم كما في قوله تعالى: (ومن يتولهم منكم فإنه منهم) [المائدة: ٥١] " الاقتضاء (١/٧٣٢) .
وقال الصنعاني:؛فإذا تشبه بالكافر في زي واعتقد أن يكون بذلك مثله ك ف ر, فإن لم يعتقد ففيه خلاف بين الفقهاء: منهم من قال يكفر, وهو ظاهر الحديث, ومنهم من قال: لا يكفر; ولكن يؤدب " سبل السلام (٨/٨٤٢) .
ويذكر شيخ الإسلام: " أن من أصل دروس دين الله وشرائعه وظهور الكفر والمعاصي التشبه بالكافرين, كما أن أصل كل خير المحافظة على سنن الأنبياء وشرائعهم " الاقتضاء (١/٤١٣) . دروس الدين: اختفاء معالمه.
والحديث عن التشبه بالكفار يطول ; ولعل فيما سبق إيراده من نصوص ونقول يفي بالغرض المقصود.