حديث منكر في استحباب صلاة خاصة لحفظ القرآن الكريم
[السُّؤَالُ]
ـ[هل هناك صلاة تدعى صلاة الحفظ، بحيث يكون في ختامها دعاء خاص، يقال: علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا رضي الله عنه وأرضاه عندما شكى له نسيانه القرآن؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
الحديث الوارد في صلاة ركعتين لأجل حفظ القرآن الكريم ورد عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فيقول:
(بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، إِذْ جَاءَهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي تَفَلَّتَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ صَدْرِي، فَمَا أَجِدُنِي أَقْدِرُ عَلَيْهِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَبَا الْحَسَنِ! أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ يَنْفَعُكَ اللَّهُ بِهِنَّ، وَيَنْفَعُ بِهِنَّ مَنْ عَلَّمْتَهُ، وَيُثَبِّتُ مَا تَعَلَّمْتَ فِي صَدْرِكَ؟ قَالَ: أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَعَلِّمْنِي.
قَالَ: إِذَا كَانَ لَيْلَةُ الْجُمُعَةِ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَقُومَ فِي ثُلُثِ اللَّيْلِ الْآخِرِ فَإِنَّهَا سَاعَةٌ مَشْهُودَةٌ وَالدُّعَاءُ فِيهَا مُسْتَجَابٌ، وَقَدْ قَالَ أَخِي يَعْقُوبُ لِبَنِيهِ (سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّي) يَقُولُ حَتَّى تَأْتِيَ لَيْلَةُ الْجُمْعَةِ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي وَسَطِهَا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقُمْ فِي أَوَّلِهَا، فَصَلِّ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، تَقْرَأُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةِ يس، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحم الدُّخَانِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الثَّالِثَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَالم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَفِي الرَّكْعَةِ الرَّابِعَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَتَبَارَكَ الْمُفَصَّلِ، فَإِذَا فَرَغْتَ مِنْ التَّشَهُّدِ فَاحْمَدْ اللَّهَ، وَأَحْسِنْ الثَّنَاءَ عَلَى اللَّهِ، وَصَلِّ عَلَيَّ وَأَحْسِنْ وَعَلَى سَائِرِ النَّبِيِّينَ، وَاسْتَغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلِإِخْوَانِكَ الَّذِينَ سَبَقُوكَ بِالْإِيمَانِ، ثُمَّ قُلْ فِي آخِرِ ذَلِكَ:
اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي بِتَرْكِ الْمَعَاصِي أَبَدًا مَا أَبْقَيْتَنِي، وَارْحَمْنِي أَنْ أَتَكَلَّفَ مَا لَا يَعْنِينِي، وَارْزُقْنِي حُسْنَ النَّظَرِ فِيمَا يُرْضِيكَ عَنِّي.
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُلْزِمَ قَلْبِي حِفْظَ كِتَابِكَ كَمَا عَلَّمْتَنِي، وَارْزُقْنِي أَنْ أَتْلُوَهُ عَلَى النَّحْوِ الَّذِي يُرْضِيكَ عَنِّيَ.
اللَّهُمَّ بَدِيعَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ، ذَا الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ وَالْعِزَّةِ الَّتِي لَا تُرَامُ: أَسْأَلُكَ يَا أَللَّهُ يَا رَحْمَنُ بِجَلَالِكَ وَنُورِ وَجْهِكَ أَنْ تُنَوِّرَ بِكِتَابِكَ بَصَرِي، وَأَنْ تُطْلِقَ بِهِ لِسَانِي، وَأَنْ تُفَرِّجَ بِهِ عَنْ قَلْبِي، وَأَنْ تَشْرَحَ بِهِ صَدْرِي، وَأَنْ تَغْسِلَ بِهِ بَدَنِي، فَإِنَّهُ لَا يُعِينُنِي عَلَى الْحَقِّ غَيْرُكَ، وَلَا يُؤْتِيهِ إِلَّا أَنْتَ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ.
يَا أَبَا الْحَسَنِ! تَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ جُمَعٍ، أَوْ خَمْسًا، أَوْ سَبْعًا، تُجَبْ بِإِذْنِ اللَّهِ، وَالَّذِي بَعَثَنِي بِالْحَقِّ مَا أَخْطَأَ مُؤْمِنًا قَطُّ.
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ:
فَوَاللَّهِ مَا لَبِثَ عَلِيٌّ إِلَّا خَمْسًا أَوْ سَبْعًا حَتَّى جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنِّي كُنْتُ فِيمَا خَلَا لَا آخُذُ إِلَّا أَرْبَعَ آيَاتٍ أَوْ نَحْوَهُنَّ، وَإِذَا قَرَأْتُهُنَّ عَلَى نَفْسِي تَفَلَّتْنَ، وَأَنَا أَتَعَلَّمُ الْيَوْمَ أَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ نَحْوَهَا، وَإِذَا قَرَأْتُهَا عَلَى نَفْسِي فَكَأَنَّمَا كِتَابُ اللَّهِ بَيْنَ عَيْنَيَّ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ الْحَدِيثَ فَإِذَا رَدَّدْتُهُ تَفَلَّت، وَأَنَا الْيَوْمَ أَسْمَعُ الْأَحَادِيثَ فَإِذَا تَحَدَّثْتُ بِهَا لَمْ أَخْرِمْ مِنْهَا حَرْفًا.
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ ذَلِكَ:
مُؤْمِنٌ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ يَا أَبَا الْحَسَنِ) .
روى هذا الحديث عطاء وعكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقد جاء عن عكرمة من طريقين:
الطريق الأولى: الوليد بن مسلم، قال: حدثنا ابن جريج، عن عطاء بن أبي رباح، وعكرمة مولى ابن عباس، عن ابن عباس به.
رواه الترمذي (حديث رقم/٣٥٧٠) ، والدارقطني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (٢/١٣٨) ولم نقف عليه في كتبه المطبوعة -، والحاكم في " المستدرك " (١/٤٦١) ، والبيهقي في " الأسماء والصفات " (٢/١٠٨) ، والخطيب البغدادي في " الجامع لأخلاق الراوي " (٢/٢٥٩) ، وابن عساكر في " تاريخ دمشق " (٥١/٢٥١) وغيرهم، إلا أن في طريق الدارقطني: عن عطاء عن ابن عباس، ولم يقل: عطاء وعكرمة.
وقد ضعف بعض العلماء هذا الإسناد بسبب تهمة تدليس الوليد بن مسلم تدليس تسوية، ومثله يشترط تصريحه بالسماع من إلى آخر الإسناد، وليس عن شيخه فقط، وهذا ما لم يتحقق في هذا السند.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" أما الوليد فقال علماء النقل: كان يروى عن الأوزاعي أحاديث، هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم " انتهى.
" الموضوعات " (٢/١٤٠) .
وقال الحافظ الذهبي رحمه الله:
" أنكر ما له – يعني الوليد بن مسلم - حديث رواه ... - فذكر الحديث السابق.
ثم قال -: هذا عندي موضوع والسلام، ولعل الآفة دخلت على سليمان ابن بنت شرحبيل فيه، فإنه منكر الحديث وإن كان حافظا، فلو كان قال فيه: عن ابن جريج لراج، ولكن صرح بالتحديث، فقويت الريبة " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (٩/٢١٧-٢١٨)
وقال أيضا رحمه الله:
" وهو مع نظافة سنده حديث منكر جدا، في نفسي منه شيء، فالله أعلم، فلعل سليمان شُبِّه له، وأدخل عليه، كما قال فيه أبو حاتم: لو أن رجلا وضع له حديثا لم يفهم " انتهى.
" ميزان الاعتدال " (٢/٢١٣)
وقال أيضا رحمه الله:
" هذا حديث منكر شاذ، أخاف لا يكون موضوعا، وقد حيرني والله جودة سنده " انتهى.
" تلخيص المستدرك " (١/٣١٦) ، هكذا في المطبوع: " لا يكون "، ولعل الصواب: " أن يكون ".
وقال السخاوي رحمه الله:
" ليست له علة إلا أنه عن ابن جريج عن عطاء بالعنعنة " انتهى.
" القول البديع " (٣٤٥)
وقال الشيخ الألباني رحمه الله:
" منكر ... الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية، فهو علة الحديث، وإن خفيت على كثير " انتهى باختصار.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/٣٣٧٤) .
الطريق الثانية: الحسين بن إسحاق التسترى، حدثنا هشام بن عمار، حدثنا محمد بن إبراهيم القرشي، حدثنا أبو صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس.
رواه الطبراني – كما أسنده إليه ابن الجوزي في " الموضوعات " (٢/١٣٨) ولم أقف عليه في كتبه المطبوعة -.
قال ابن الجوزي رحمه الله:
" هذا حديث لا يصح، ومحمد بن إبراهيم مجروح، وأبو صالح لا نعلمه إلا إسحاق بن نجيح وهو متروك " انتهى.
" الموضوعات " (٢/١٣٨)
وقال الذهبي رحمه الله:
" هذا الحديث يرويه هشام بن عمار، عن محمد بن إبراهيم القرشي، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس، ومحمد هذا ليس بثقة، وشيخه لا يدرى من هو " انتهى.
" سير أعلام النبلاء " (٩/٢١٧-٢١٨) .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله:
" أخرجه العقيلي في ترجمة محمد بن إبراهيم القرشي، من طريق هشام بن عمار، عنه، عن أبي صالح، عن عكرمة، عن ابن عباس ... فذكر الحديث بطوله، ثم قال: ورواه سليمان بن عبد الرحمن، عن الوليد، عن ابن جريج، عن عطاء وعكرمة، عن ابن عباس. قال ـ أي: العقيلي ـ: وكلاهما ليس له أصل.
قلت ـ أي الحافظ ابن حجر ـ: فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي، فدلسه عن ابن جريج؛ فإسقاطه ـ كذا ـ هذا القرشي، وسواه لابن جريج، عن عكرمة. والعلم عند الله تعالى ".
"النكت الظراف على تحفة الأشراف" (٥/٩١) .
على أنه في الأسانيد إلى الوليد بن مسلم ـ أيضا ـ بعض المتكلم فيهم، من أمثال سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي، انظر: " تهذيب التهذيب " (٤/١٨١) .
قال العلامة عبد الرحمن بن يحي المعلمي رحمه الله:
" وأحسب بلية هذا الخبر من ذاك.. " انتهى.
ينظر تمام كلامه في تعليقه الفوائد المجموعة للشوكاني (٤٣) .
وفيها أيضا: محمد بن الحسن بن محمد النقاش شيخ الدارقطني متهم بالكذب، انظر: " ميزان الاعتدال " (٣/٥٢٠) .
وأما ما جاء في سنن الترمذي قوله:
" هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث الوليد بن مسلم " انتهى.
فقد علق عليه الشيخ الألباني رحمه الله بقوله:
" كذا وقع في طبعة بولاق والدعاس: "حسن ... "، وقد نقل الحافظ ابن عساكر عبارة الترمذي المذكورة دون لفظة: " حسن "، وكذلك الحافظ الضياء، وهو الأقرب إلى الصواب واللائق بهذا الإسناد " انتهى.
" السلسلة الضعيفة " (رقم/٣٣٧٤) .
وما نقله الشيخ الألباني رحمه الله عن الحافظ ابن عساكر، هو الذي نقله ـ أيضا ـ الحافظ المزي رحمه الله، فقال ـ بعد عزوه للترمذي ـ: " وقال: غريب، لا نعرفه إلا من حديث الوليد " انتهى.
" تحفة الأشراف " (٥/٩١) .
وأما عن تصحيح الحاكم للحديث، وهو من المعروفين بالتساهل الشديد في التصحيح والتحسين. قال الشوكاني رحمه الله:
" ولم تركن النفس إلى مثل هذا من الحاكم، فالحديث يقصر عن الحسن فضلا عن الصحة، وفي ألفاظه نكارة، وأنا في نفسي من تحسين هذا الحديث فضلا عن تصحيحه، فإنه منكر غير مطابق للكلام النبوي، والتعليم المصطفوي، وقد أصاب ابن الجوزي بذكره في الموضوعات، ولهذا ذكرته أنا في كتابي الذي سميته " الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" " انتهى.
" تحفة الذاكرين " (ص/٢٠٧)
وقال الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله:
" ظاهره أنه حسن، وما علمت عالما صححه من العلماء الأولين إلا الترمذي والحاكم، وهما متساهلان، وقد قال أئمة النقد إنه منكر " انتهى.
" أحاديث معلة " (ص/١٩٨) .
وقد تبين أن في ثبوت تصحيح الترمذي نظرا، والذي نقله عن غير واحد أنه استغربه.
فالحاصل أنه حديث منكر لا يصح، ولا يجوز العمل به لشدة ضعفه ونكارته، وقد اتفق العلماء على عدم جواز العمل بالحديث الضعيف شديد الضعف، بل نص شيخ الإسلام ابن تيمية على أن العلماء الذين أجازوا العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال لم يقصدوا جواز العمل بها إذا جاءت بتخصيص صلاة معينة بكيفية وطريقة معينة، وإنما قصدوا جواز احتساب الأجر الوارد فيها على أعمال هي أصلا مشروعة في الدين.
وقد سبق بيان ذلك في الجواب رقم: (١٣١١٠٦)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب