للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

شرح حديث (أولئك العصاة أولئك العصاة)

[السُّؤَالُ]

ـ[سمعت حديثاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصائمين في السفر إنكم عصاة. فهل معنى ذلك أنه يحرم على المسافر أن يصوم؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

سبق في جواب السؤال رقم (٢٠١٦٥) أن المسافر إذا وجدت مشقة من الصيام فالأفضل له الفطر، وصيامه مكروه، وقد يكون صيامه حراماً إذا أدى إلى الضرر أو خوف الهلاك.

وهذا الحديث الذي أشار إليه السائل محمول على ذلك، أي: إذا وجد المسافر مشقة شديدة من الصيام أو تضرر بالصيام. وسياق الحديث يدل على ذلك.

روى مسلم (١١١٤) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ عَامَ الْفَتْحِ إِلَى مَكَّةَ فِي رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ كُرَاعَ الْغَمِيمِ - وهو موضع بين مكة والمدينة- فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ، وَإِنَّمَا يَنْظُرُونَ فِيمَا فَعَلْتَ. فَدَعَا بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَرَفَعَهُ حَتَّى نَظَرَ النَّاسُ إِلَيْهِ، ثُمَّ شَرِبَ. فَقِيلَ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ: إِنَّ بَعْضَ النَّاسِ قَدْ صَامَ. فَقَالَ: أُولَئِكَ الْعُصَاةُ، أُولَئِكَ الْعُصَاةُ.

فيستفاد من سياق الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سماهم عصاة لسببين:

الأول: أنهم صاموا مع المشقة.

الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر من أجل أن يقتدوا به، فكأنه أمرهم بالفطر فلم يفعلوا فسماهم عصاة.

قال النووي:

وَهَذَا مَحْمُول عَلَى مَنْ تَضَرَّرَ بِالصَّوْمِ. . . وَيُؤَيِّد هذا التَّأْوِيلَ قَوْلُهُ: (إِنَّ النَّاس قَدْ شَقَّ عَلَيْهِمْ الصِّيَامُ) , وعلى هذا لا يَكُون الصَّائِم فِي السَّفَر عَاصِيًا إِذَا لَمْ يَتَضَرَّرْ بِهِ اهـ بتصرف.

وقال ابن القيم في تهذيب السنن:

وَأَمَّا قَوْل النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أُولَئِكَ الْعُصَاة " فَذَاكَ فِي وَاقِعَة مُعَيَّنَة , أَرَادَ مِنْهُمْ الْفِطْر فَخَالَفَهُ بَعْضهمْ فَقَالَ هَذَا. . . فَالنَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَفْطَرَ بَعْد الْعَصْر لِيَقْتَدُوا بِهِ , فَلَمَّا لَمْ يَقْتَدِ بِهِ بَعْضهمْ قَالَ: "أُولَئِكَ الْعُصَاة" وَلَمْ يُرِدْ بِذَلِكَ تَحْرِيم الصِّيَام مُطْلَقًا عَلَى الْمُسَافِر اهـ.

وقال الحافظ:

ونَسَب النبي صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّائِمِينَ في السفر إِلَى الْعِصْيَانِ لأَنَّهُ عَزَمَ عَلَيْهِمْ فَخَالَفُوا اهـ بتصرف.

وعلى هذا؛ فالحديث ورد في حال خاصة، ولا يصح تطبيقه على جميع الصائمين في السفر.

ومما يدل على ذلك أيضاً أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم في السفر، ولو كان معصية لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>