حياة الآخرة لا فناء بعدها
[السُّؤَالُ]
ـ[هل سيعيش البشر إلى الأبد في الآخرة أم إلى أن يشاء الله؟ ما المعتقد الإسلامي في ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
كتب الله تعالى على هذه الدنيا الفناء، وكتب على أهلها الموت، قال تعالى {كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} الرحمن / ٢٦، ٢٧، وقال تعالى {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا ترجعون} العنكبوت / ٧٥.
ثم يبعث الله تعالى العباد ويحييهم حياة أبدية لا نهاية لها، ويحاسبهم على أعمالهم فيجازي المحسن بإحسانه، والمسيء على إساءته، فينقسم الخلق قسمين فريق في الجنة، وفريق في السعير، فأهل الجنة خالدون فيها أبداً، وأهل النار من الكفار خالدون فيها كذلك أبداً.
وقد جاءت الآيات والأحاديث الصحيحة مصرِّحة بهذا، ومنها:
١- قال تعالى: {والذين آمنوا وعملوا الصالحات سندخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً لهم فيها أزواج مطهرة وندخلهم ظلا ظليلا} النساء / ٥٧.
قال الطبري:
{خالدين فيها أبداً} : يقول: باقين فيها أبداً، بغير نهاية ولا انقطاع، دائم ذلك لهم فيها أبداً.
" تفسير الطبري " (٥ / ١٤٤) .
٢ - وقال: {قال الله هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم} المائدة / ١١٩.
٣- وقال: {إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقاً إلا طريق جهنم خالدين فيها أبداً وكان ذلك على الله يسيراً} النساء / ١٦٩.
٤- وقال: {إن الله لعن الكافرين وأعد لهم سعيراً. خالدين فيها أبدا لا يجدون وليا ولا نصيراً} الأحزاب / ٦٤، ٦٥.
٥ - وقال تعالى: (إِلا بَلاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) الجن / ٢٣
قال ابن كثير:
{خالدين فيها أبداً} : أي: ماكثين مستمرين، فلا خروج لهم منها، ولا زوال لهم عنها.
" تفسير ابن كثير " (٣ / ٥٢٠) .
٦- وأخبر الله تعالى عن الكفار أنهم لن يموتوا في النار ولن يحيون حياة طيبة، فقال: {إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيا} طه / ٧٤، وقال {ثم لا يموت فيها ولا يحيا} الأعلى / ١٣.
قال القرطبي:
{ثم لا يموت فيها ولا يحيى} : أي: لا يموت فيستريح من العذاب، ولا يحيا حياة تنفعه.
" تفسير القرطبي " (٢٠ / ٢١) .
٧-وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " يؤتى بالموت كهيئة كبش أملح فينادي مناد: يا أهل الجنة فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، ثم ينادي: يا أهل النار فيشرئبون وينظرون، فيقول: هل تعرفون هذا؟ فيقولون: نعم هذا الموت، وكلهم قد رآه، فيذبح، ثم يقول: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت، ثم قرأ {وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة} وهؤلاء في غفلة أهل الدنيا {وهم لا يؤمنون} .
رواه البخاري (٤٤٥٣) ومسلم (٢٨٤٩) .
وفي رواية ابن عمر في البخاري (٦١٨٢) ومسلم (٢٨٥٠) : " فيزداد أهل الجنة فرحاً إلى فرحهم، ويزداد أهل النار حزناً إلى حزنهم ".
قال ابن القيم:
وهذا الكبش والإضجاع والذبح ومعاينة الفريقين ذلك: حقيقة، لا خيال ولا تمثيل كما أخطأ فيه بعض الناس خطا قبيحا، وقال: الموت عرَض، والعرَض لا يتجسَّم فضلا عن أن يذبح.
وهذا لا يصح؛ فان الله سبحانه ينشئ من الموت صورة كبش يذبح، كما ينشئ من الأعمال صوراً معاينة يثاب بها ويعاقب، والله تعالى ينشئ من الأعراض أجساماً تكون الأعراض مادة لها، وينشئ من الأجسام أعراضاً، كما ينشئ سبحانه وتعالى من الأعراض أعراضاً، ومن الأجسام أجساماً، فالأقسام الأربعة ممكنة مقدورة للرب تعالى، ولا يستلزم جمعاً بين النقيضين، ولا شيئاً من المحال، ولا حاجة إلى تكلف من قال إن الذبح لملك الموت، فهذا كله من الاستدراك الفاسد على الله ورسوله والتأويل الباطل الذي لا يوجبه عقل ولا نقل وسببه قله الفهم لمراد الرسول..
" حادي الأرواح " (ص ٢٨٣، ٢٨٤) .
٨- وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " يدخل أهل الجنةِ الجنةَ وأهل النارِ النارَ، ثم يقوم مؤذن بينهم: يا أهل النار لا موت، ويا أهل الجنة لا موت، خلود ".
رواه البخاري (٦١٧٨) ومسلم (٢٨٥٠) .
٩- وعن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ينادي مناد (يعني في أهل الجنة) إن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبداً، وإن لكم أن تحيَوا فلا تموتوا أبداً، وإن لكم أن تشِبُّوا فلا تهرموا أبداً، وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبداً، فذلك قوله عز وجل {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون} .
رواه مسلم (٢٨٢٧) .
فبادر أيها المسلم بالأعمال الصالحة في هذه الدنيا، فإنها أيام قلائل ثم تنتقل إلى حياة الأبد، فإما إلى جنة نعيمها لا ينفد، وإما إلى نار حرها إلى الأبد.. فالبدار البدار وإياك والتسويف فإن أكثر صياح أهل النار من سوف.
جعلنا الله وإياك من أهل الجنة آمين.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب