هل الفدية تعوض ما يخل به الإنسان من أحكام المناسك؟
[السُّؤَالُ]
ـ[بعض الحجاج والمعتمرين يتهاونون فيما يجب عليهم من الأحكام؛ فيتجاوزون الميقات من غير إحرام، مثلا، أو ربما تركوا بعض الواجبات، معتمدين على أنهم سوف يذبحون هديا، يجبر لهم النقص الذي فعلوه، فما حكم ذلك؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد سبق معنا في جواب السؤال رقم (٣٦٥٢٢) أن أكثر ما يقع فيه الحجاج أو المعتمرون من أخطاء في مناسكهم، سببه الجهل بما يجب عليهم من أحكامها. وأما ما ذكر في هذا السؤال من تعمد بعض الناس ارتكاب المحظور، أو التفريط فيما يؤمر به، اعتمادا على أن الفدية سوف تجبر له ذلك النقص، فهذا هو الجهل الحقيقي، وإن كان صاحبه يظن أن عنده معرفة بما يترتب على فعله , فإنه لا يتجرأ على تعدي حدود الله إلا ظلوم جهول، قال الله تعالى: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة/٢٢٩، ولا يتجرأ على انتهاك حرمات الله إلا من لم يعظم شعائر الله حق تعظيمها؛ قال الله تعالى: (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوب ِ) الحج/٣٢ ولأجل ذلك كان أصحاب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، يقولون: كل ذنب أصابه عبد فهو بجهالة. وقال مجاهد: كل من عصى ربه فهو جاهل حتى ينزع عن معصيته. [تفسير الطبري ٨/٨٩] وزيادة على الجهل بما يجب على العبد من تعظيم شعائر الله، والوقوف عند حدوده، وعدم تعديها، فإن العلم إنما يراد للعمل، وليس للتحيُّل به على إسقاط ما فرض الله على العبد، وانتهاك حرمات الله، فأين هذا من قول النبي، صلى الله عليه وسلم: (مَنْ حَجَّ لِلَّهِ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ) البخاري ١٥٢١ ومسلم ١٣٥٠، قال ابن حجر: ("لم يفسق" أي: لم يأت بسيئة ولا معصية)
وقوله، صلى الله عليه وسلم: (العُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلا الْجَنَّةُ) البخاري ١٧٧٣ ومسلم ١٣٤٩
قال ابن حجر: (قَالَ اِبْن خَالَوَيْهِ: الْمَبْرُور الْمَقْبُول , وَقَالَ غَيْره: الَّذِي لا يُخَالِطهُ شَيْء مِنْ الإِثْم , وَرَجَّحَهُ النَّوَوِيّ , وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: الأَقْوَال الَّتِي ذُكِرَتْ فِي تَفْسِيره مُتَقَارِبَة الْمَعْنَى , وَهِيَ أَنَّهُ الْحَجّ الَّذِي وُفِّيَتْ أَحْكَامه وَوَقَعَ موافقاً لِمَا طُلِبَ مِنْ الْمُكَلَّف عَلَى الْوَجْه الأَكْمَل وَاَللَّه أَعْلَم) .
على أن هنا شبهة، ربما كانت هي التي سببت وقوع بعض الناس في ذلك؛ وهي ظنهم أن الإنسان مخير بين فعل الواجب، أو ترك المحظور، وبين بذل الفدية الواجبة فيه، من صيام، أو صدقة، أو نسك. قال الشيخ ابن عثيمين، بعد ذكر بعض المحظورات، وما فيها من الفدية:
(إن كلامنا هذا فيما يجب على الفاعل، وليس معنى هذا أن الأمر سهل وهين؛ بمعنى أنه إن شاء فعل هذا الشيء وقام بالتكفير والقضاء، وإن شاء لم يفعله، بل الأمر صعب ومحرم، بل هو من الأمور العظيمة؛ حيث يتجرأ على ما حرم عليه؛ فإن الله يقول: (فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدَالَ فِي الْحَجِّ) البقرة/١٩٧
وفي هذه المناسبة أريد أن أنبه.. على مسألة يظن بعض الناس أن الإنسان فيها مخير؛ وهي ترك الواجب والفدية.
يظن بعض الناس أن العلماء لما قالوا: في ترك الواجب دم، أن الإنسان مخير بين أن يفعل هذا الواجب، أو أن يذبح هذا الدم ويوزعه على الفقراء.
مثال ذلك: يقول بعض الناس إذا كان يوم العيد، سوف أطوف وأسعى، وأسافر إلى بلدي، ويبقى علي المبيت في منى، ورمي الجمرات، وهما واجبان من واجبات الحج؛ فأنا أفدي عن كل واحد منها بذبح شاة ... ، والأمر ليس كذلك؛ ولكن إذا وقع، وصدر من الإنسان ترك واجب، فحينئذ تكون الفدية مكفرة له، مع التوبة والاستغفار.) الفتاوى ٢٢/١٦٨-١٦٩.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب