للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الرسوم المتحركة الجنسية، حقيقتها، خطرها، حكمها

[السُّؤَالُ]

ـ[عندي سؤال، هل يجوز مشاهدة أفلام جنسية إباحية كرتونية، ورسوم متحركة، إذا لم تشغلني عن الفرائض، ولا تقودني إلى المحرمات، مثل الزنا، والخمور، وغيرهما، وحتى لو أن هذه الرسوم والكرتون ليست بشراً حقيقيين؟ هل هذا جائز بهذه الشروط؟ . جزاكم الله خيراً، وبارك فيكم.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

الأخطار التي تحدق بالأسرة أكبر من أن يستطيع منعها الوالدان بمفردهما، فثمة مؤامرات عظيمة الحجم، كثيرة العدد على أفراد الأسرة جميعهم، إن لم ينتبه رب الأسرة لتلك الأخطار، ويحط أفرادها برعايته: ضاعوا، وضلوا، وخسرهم.

ومن أعظم الأخطار على أفراد الأسرة من الأطفال: الألعاب الإلكترونية، والرسوم المتحركة، وقد كان لموقعنا دور في تنبيه الأسرة لهذين الخطرين، ثم إننا صعقنا من حجم الخطر الداهم على الأطفال من " الرسوم المتحركة الجنسية "! فهالنا ما وجدناه من خطرها، وأثرها السيئ على الأطفال، وهالنا الإنتاج الغزير لهذه المواد، وعجبنا من وجود أعداد كبيرة من المواقع في بلاد الإسلام – للأسف - تسوِّق لهذه الأفلام الخبيثة.

ثانياً:

من المعلوم أن التعليم في الصغَر كالنقش في الحجر، فيثبت ويرسخ ما يتعلمه الطفل في صغر سنِّه، فكيف يكون ذلك النقش لو أن التعليم كان مصحوباً بصوت وصورة متحركة؟! لا شك أن هذا سيكون أبلغ في حفره في ذهنه، ثم إن هذا الطفل سيسعى لتطبيق ما نُقش في ذهنه، ليجعله واقعاً في حياته، وهو ما أدى إلى جرائم قتل وسرقات واعتداءات، ثم إنه في أفلام الرسوم المتحركة الجنسية يتم تطبيق ما يراه الأطفال في أفظع منظر، وأخزى صورة، من العري، والتقبيل، والضم، والمضاجعة، ومع من؟ مع أخيه! أو أخته! وهو إما يكون صغيراً لا يدري ما يفعل على وجه الحقيقة، أو أنه في بداية بلوغه، وهنا يكون الخطر الداهم.

إن هذه الأفلام المتحركة الجنسية تحتوي ما هو شر محض، ليس فيها إلا دمار الأسرة، وتخريب أخلاق أطفالها، وتنمية حب الجنس في نفوسهم، ونزع الحياء منهم، وقتل العفاف فيهم، كل ذلك نتيجة تأثرهم بما يرونه من تلك الأفلام الكرتونية المثيرة، لا يسلم منها الكبار حتى تهيجهم، فكيف سينجو الصغار ومن هم في أوائل مراهقتهم؟! .

ثالثاً:

لا يشك عاقل أن مشاهدة هذه الرسوم جريمة في حق الإنسان مع نفسه، وجريمة في حق أولاده إن مكَّنهم من مشاهدتها، ومثل هذا لا تأتي الشريعة بإباحته، بل هي سبَّاقة للتحذير منه، وتحريمه، والقضاء عليه، ومما يدل على هذا المنع والتحريم لمشاهدتها:

١. قوله تعالى: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ... ) النور/ ٣٠، ٣١.

ولا فرق بين مشاهدة المرأة الأجنبية على أصل خلقتها، أو على صورة ثابتة، أو متحركة، أو كانت رسوماً يدوية، فكيف إذا كان المشاهَد هو عورات! ومشاهد جنسية مثيرة؟! .

٢. قوله تعالى: (إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) الإسراء/ ٣٦.

فالبصر يشاهِد ما حرَّم الله مما تحتويه تلك المشاهد الفاضحة، والسمع يصل إليه من الموسيقى والكلام الفاحش المحرَّم، ما يجعل صاحبهما مسئولاً عن ذلك يوم القيامة؛ لتفريطه في نعَم الله عليه، ولسماعه، ومشاهدته ما حرَّم الله عليه.

٣. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (لَا تُبَاشِرِ الْمَرْأَةُ الْمَرْأَةَ فَتَنْعَتَهَا لِزَوْجِهَا، كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا) . رواه البخاري (٤٩٤٢) .

فإذا كان مجرد الوصف الذي يصاحبه تخيل من الرجل للأجنبية لا يحل: فأولى إن كان ذلك مشاهَداً بالصوت والصورة، ولو رسماً؛ فإنه أبلغ من مجرد الخيال، فيكون أولى بالمنع.

قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله -:

قال القابسي: هذا أصل لمالك في سد الذرائع؛ فإن الحكمة في هذا النهي: خشية أن يُعجب الزوج الوصف المذكور، فيفضي ذلك إلى تطليق الواصفة، أو الافتتان بالموصوفة.

" فتح الباري " (٩ / ٣٣٨) .

٤. عموم الأحاديث التي جاءت بتحريم التصوير باليد، وهو سبب منع بعض العلماء للرسوم المتحركة بخيرها وشرِّها، ومن استثنى منهم منها شيئاً: فإنما استثنى ما فيه نفع وخير، وهذه الرسوم المتحركة الجنسية ليست كذلك، فهي ليست مباحة عند أحد من أهل العلم.

٥. هذه الرسوم الجنسية مضادة للتربية الإسلامية من كل وجه، فالوالدان مأموران بتعليم أولادهما الصلاة وهم أبناء سبع، وبالتفريق بينهم في المضاجع وهم أبناء عشر، ومأموران بحسن النصح لهم، ودلالتهم على الخير، وتحذيرهم من السوء والشر، فأين هذا من تمكينهم من النظر إلى الأفلام الجنسية، وما فيها من تقبيل، وكشف للعورات، وفعل للمنكرات؟ فكيف سيتربى الابن على العفاف، وكيف ستعرف البنت الحياء، وهما يشاهدان ما تشيب منه الرؤوس ويتلف السلوك؟! .

رابعاً:

ما جاء في السؤال من أن النظر إلى هذه الأفلام الكرتونية لا يؤثر سلباً في السلوك، فلا يسبب ترك فرائض، ولا يدعو إلى محرمات: ليس موافقاً للحقيقة، ولا مطابقاً للواقع؛ فإن أثر هذه الأفلام سيء للغاية، وإن صوره لتنطبع في أذهان الأطفال حتى لا تكاد تُمحى، وإن الكبار قد افتتنوا بها كثيراً، حتى ظن بعضهم جواز رؤية هذه الأفلام لأجل تهييج شهوته على امرأته! فظن أن ذلك جائز ولا حرج فيه! وهو يؤكد صحة ما ذكرناه من تأثيرها البالغ حتى على الكبار.

على أن قول السائل: إنها لا تسبب ترك فرائض، لا قيمة له في الحكم، لو قدر أن ذلك صحيح؛ فهذه الأشياء محرمة لما احتوته في ذاته من انتهاك للحرمات، ومخالفة لشرع رب السموات، وليس لما تؤدي إليه من ترك الفرائض، فإن هذا ذنب آخر، بغض النظر عن سبب هذا الترك.

لذلك فنحن لا نتردد في القول بحرمة صنع هذه الأفلام الجنسية، وحرمة استيرادها، وحرمة بيعها، وشرائها، وحرمة مشاهدتها، ونرى أن الوالديْن اللذيْن يمكِّنان أولادهما من مشاهدتها: آثمان، مفرِّطان فيما استرعاهم الله من رعية.

ويجب على كل من ملك القرار، وولَاّه الله السلطة أن يضرب بيدٍ من حديد كلَّ عابثٍ بأخلاق المسلمين، وأن لا يسمح بمثل هذه الأفلام وإلا كان شريكاً في الإثم.

ولمزيد فائدة أنظر أجوبة الأسئلة: (١١٠٣٥٢) و (٧١١٧٠) و (٩٧٤٤٤) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>