للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم تكرار العمرة من مكة، وحكم طواف الإفاضة للحائض

[السُّؤَالُ]

ـ[أنوي الحج هذا العام، وكما يعلم الجميع ليس من السهل الحصول عليه؛ لتكاليفه؛ ووجود القرعة، وأريد أن أستفيد من الحج إلى أقصى مدى، حيث أنني أنوي أن أجري العمرة عدة مرات لأبي، وجدي، وعمي، وعمتي، الذين ماتوا قبل أن أولد ولم يحجوا. وسؤالي: أني إذا أحرمت بالتمتع، وأجريت العمرات: لا أستطيع إجراء طواف الحج لوجود عذر شرعي ما بين ٩ و ١٧ ذي الحجة، ويوم ١٧ يجب أن أذهب إلى المدينة مع البعثة، علماً بأني مع زوجي، هل أنوي أقرن وأجري العمرات ولا حرج عليَّ؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

اختلف أهل العلم في حكم تكرار العمرة في السفرة الواحدة، والصحيح: أنها لا تشرع، وأنه لا يجوز الإتيان بأكثر من عمرة في السفرة الواحدة، ومن دخل مكة ليعتمر فلا يشرع له تكرارها لا عن نفسه، ولا عن غيره، إلا أن يخرج من مكة بغير قصد الرجوع إليها بعمرة، فيجوز له إن دخلها ثانية أن يعتمر عن نفسه، أو عمن لم يعتمر من أقربائه أو أهله، وما يفعله الآن كثيرون من تكرار العمرة في السفرة الواحدة ليس من هدي النبي صلى الله عليه وسلم، ولا من هدي أصحابه رضي الله عنهم، وهم الذين كانوا يبذلون الجهد للوصول لمكة المكرمة، ويحدوهم الشوق للاعتمار؛ لما له من أجر جزيل.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله -:

قال أبو طالب: قلت لأحمد قال طاوس: " الذين يعتمرون من التنعيم لا أدري يؤجرون أو يعذبون "، قيل له: لم يعذبون؟ قال: لأنه ترك الطواف بالبيت، ويخرج إلى أربعة أميال، ويخرج، إلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ".

فقد أقرَّ أحمد قول طاوس هذا الذي استشهد به أبو طالب لقوله، رواه أبو بكر في الشافي.

" مجموع الفتاوى " (٢٦ / ٢٦٥) .

وقال – رحمه الله -:

مثل أن يعتمر من يكون منزله قريباً من الحرم كل يوم، أو كل يومين، أو يعتمر القريب من المواقيت التي بينها وبين مكة يومان، في الشهر خمس عمَر، أو ست عمَر، ونحو ذلك، أو يعتمر من يرى العمرة من مكة كل يوم عمرة أو عمرتين: فهذا مكروه باتفاق سلف الأمة، لم يفعله أحدٌ من السلف، بل اتفقوا على كراهيته، وهو وإن كان استحبه طائفة من الفقهاء من أصحاب الشافعي وأحمد: فليس معهم في ذلك حجةٌ أصلاً إلا مجرد القياس العام، وهو أن هذا تكثيرٌ للعبادات أو التمسك بالعمومات في فضل العمرة، ونحو ذلك.

" مجموع الفتاوى " (٢٦ / ٢٧٠) .

وقال ابن القيم – رحمه الله -:

ولم يكن في عُمَره عمرةٌ واحدةٌ خارجا من مكة، كما يفعل كثير من الناس اليوم، وإنما كانت عمَرُه كلُها داخلاً إلى مكة، وقد أقام بعد الوحي بمكة ثلاث عشرة سنة، لم ينقل عنه أنه اعتمر خارجاً من مكة في تلك المدة أصلاً، فالعمرة التي فعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعها هي عمرة الداخل إلى مكة، لا عمرة من كان بها فيخرج إلى الحل ليعتمر، ولم يفعل هذا على عهده أحدٌ قط، إلا عائشة وحدها بين سائر من كان معه؛ لأنها كانت قد أهلت بالعمرة فحاضت فأمرها فأدخلت الحج على العمرة وصارت قارنة، وأخبرها أن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها وعمرتها، فوجدت في نفسها أن يرجع صواحباتها بحج وعمرة مستقلين - فإنهن كن متمتعات، ولم يحضن، ولم يقرنَّ - وترجع هي بعمرة في ضمن حجتها، فأمر أخاها أن يُعمرها من التنعيم؛ تطييباً لقلبها، ولم يعتمر هو من التنعيم في تلك الحجة، ولا أحدٌ ممن كان معه.

" زاد المعاد " (٢ / ٨٩، ٩٠) .

وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله –:

ما هي المدة المحددة بعد أخذ العمرة، أتى شخص بعد أسبوع مثلاً، اعتمر قبل أسبوع، فهل يعتمر الآن؟

فأجاب: ذكر الإمام أحمد رحمه الله حدّاً مقارباً، قال رحمه الله: إذا حمم رأسه، أي: إذا اسود رأسه بعد حلقه فإنه يأخذ العمرة؛ لأن العمرة لا بد فيها من تقصير أو حلق، ولا يتم ذلك إلا بعد نبات الشعر، وأما ما يفعله بعض الناس اليوم في رمضان، أو في أيام الحج من تكرار العمرة كل يوم: فهذا بدعة، وهم إلى الوزر أقرب منهم إلى الأجر، فلذلك يجب على طلبة العلم أن يبينوا لهؤلاء أن ذلك أمر محدَث، وأنه بدعي، فليسوا أحرص من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا من الصحابة، ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقي في مكة تسعة عشرة يوماً في غزوة الفتح ولم يحدِّث نفسه أن يخرج ويعتمر، وكذلك في عمرة القضاء أدى العمرة وبقي ثلاثة أيام، ولم يعتمر، وكذلك الصحابة رضي الله عنهم لم يكونوا يكررون العمرة.

" لقاءات الباب المفتوح " (٧٢ / السؤال رقم ٢٠) .

وينظر خلاف العلماء في حكم تكرار العمرة في السنَة الواحدة: جواب السؤال رقم: (١٠٩٣٢١) .

ثانياً:

الأصل فيمن أصابها الحيض أنها تمتنع عن الطواف بالبيت، فإذا كانت طافت طواف الإفاضة: فإنها تنفر، ويسقط عنها طواف الوداع، وإن لم تكن قد طافت طواف الإفاضة: فإنه يجب عليها الانتظار حتى تطهر ثم تطوف بالبيت، ووجودها في قافلة ليس بعذرٍ لترك الطواف، أو للطواف على حالها، إن كان يمكنهم انتظارها، أو كان مكنها تأخير الخروج من مكة برفقة وليها.

وينبغي التفريق بين من يمكنها الرجوع إلى مكة لأداء ذلك الطواف، وبين من لا يمكنها ذلك إلا بحرج شديد، فمن كانت قريبة الدار من مكة، أو كان يمكنها الرجوع لمكة لأداء ما عليها من طواف الإفاضة: فإنه يمكنها النفير مع قافلتها – إن لم تستطع البقاء في مكة – على أن ترجع لأداء ذلك الطواف، وبشرط أن لا يقربها زوجها – إن كانت متزوجة -؛ لأنها لم تحل التحلل الأكبر، فترجع لمكة، وتطوف طواف الإفاضة، وتُنهي بذلك حجها.

وأما من لا يمكنها البقاء في مكة، ولا الرجوع إليها إلا بحرج شديد: فإنه يجوز لها الطواف على حالها، فتغتسل، وتشد على نفسها ثياباً تمنع نزول الدم، ثم تطوف طواف الإفاضة.

وانظر جواب السؤال رقم: (١٤٢١٧) .

وينظر جواب السؤال رقم (٢٠٤٦٥) في حيض المرأة في العمرة.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>