من آداب العناية بالمولود الجديد
[السُّؤَالُ]
ـ[من فضلك أخبرني إن كانت توجد كتب بالإنجليزية تغطي كيفية العناية بالطفل حديث الولادة، حيث نعتمد حاليا على نصائح الأطباء في الغرب والتي قد تكون غير صحيحة، سيكون لطيفا إذا استطعنا اتباع أسلوب الصحابيات هنا كذلك، على سبيل المثال، هل كن يشاركن أطفالهن نفس الفراش؟ متى يبدأن في إعطاء الطفل الطعام؟ كيف كن يؤدبن الصغار؟ وما إلى ذلك. جزاكم الله خيرًا.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد للَّه
أولا:
كثير من قضايا التربية ومسائلها، ترجع ـ في واقع الأمر ـ إلى حكم العادة السوية، والخبرة البشرية، مع إمكان ضبطها ببعض التوجيهات العامة من الكتاب والسنة النبوية، وأما التوجيهات الخاصة الملزمة فهي تلك التي تكون بالأمر أو النهي المعيَّنين، وما سوى ذلك فإن خبرة المختصين بالتربية هي المرجع الذي ينبغي على الناس تعلمه والحرص عليه، فقد أصبحت التربية اليوم علما تُقام له الدراسات، وتُرصد له الجهود والأموال والأوقات، وذلك من فضل الله تعالى على الناس، فلا ينبغي على المسلم أن يفرط في تعلم أساليب التربية والتعامل مع الأطفال، مع الاهتمام بتوجيهات الكتاب والسنة.
وفي الأطفال حديثي الولادة جاءت بعض الأحكام الشرعية التعبدية، كاستحباب العقيقة والختان والتحنيك وحلق الرأس مع التصدق بوزنه فضة وغير ذلك مما سبق بيانه في موقعنا، في أجوبة الأسئلة الآتية: (٧٨٨٩) ، (٢٠٦٤٦)
وأما في كيفية العناية العادية والبدنية بهم فهذه يتبع فيها نصائح الأطباء والتربويين، وبعض الجمل العامة التي جاءت الشريعة بها، والتي سيأتي بيانها.
ثانيا:
من الأطباء المسلمين الأوائل المعروفين، الإمام ابن قيم الجوزية، المتوفى سنة (٧٥١هـ) ، صاحب الكتاب المشهور "تحفة المودود بأحكام المولود"، فقد كان من أهم أبواب كتابه "الباب السادس عشر"، بعنوان " في فصول نافعة في تربية الأطفال، تُحمد عواقبها عند الكبر "، يمكنك الاستفادة بما فيه، مع مراعاة أن ما ذكره هي مسائل اجتهادية، بحسب ما وصل إليه نظره العلمي، وخبرته الطبية، في تلك الفترة، وبالإمكان الاستفادة منها بوجه عام، ومتابعة أمثالها في الطب الحديث.
وسوف أنقل منه هنا خلاصة كلامه، فإن فيه فوائد طبية قيمة في التعامل مع الأطفال حديثي الولادة:
" ١- ينبغي أن يكون رضاع المولود من غير أمه بعد وضعه يومين أو ثلاثة، وهو الأجود، لما في لبنها ذلك الوقت من الغلظ والأخلاط، بخلاف لبن من قد استقلت على الرضاع، وكل العرب تعتني بذلك، حتى تسترضع أولادها عند نساء البوادي، كما استُرضع النبي صلى الله عليه وسلم في بني سعد.
٢- وينبغي أن يمنع حملهم والطواف بهم حتى يأتي عليهم ثلاثة أشهر فصاعدا، لقرب عهدهم ببطون الأمهات وضعف أبدانهم.
٣- وينبغي أن يقتصر بهم على اللبن وحده إلى نبات أسنانهم، لضعف معدتهم وقوتهم الهاضمة عن الطعام، فإذا نبتت أسنانه قويت معدته وتغذى بالطعام، وينبغي تدريجهم في الغذاء.
٤- فإذا قربوا من وقت التكلم وأريد تسهيل الكلام عليهم فليدلك ألسنتهم بالعسل والملح الأندراني، لما فيهما من الجلاء للرطوبات الثقيلة المانعة من الكلام، فإذا كان وقت نطقهم فليلقنوا لا إله إلا الله محمد رسول الله.
٥- فإذا حضر وقت نبات الأسنان فينبغي أن يدلك لثاهم كل يوم بالزبد والسمن، ويمرخ حدر العنق تمريخا كثيرا.
٦- ولا ينبغي أن يشق على الأبوين بكاء الطفل وصراخه، فإنه ينتفع بذلك البكاء انتفاعا عظيما، فإنه يروض أعضاءه، ويوسع أمعاءه، ويفسح صدره، ويسخن دماغه، ويحمي مزاجه، ويثير حرارته الغريزية، ويحرك الطبيعة لدفع ما فيها من الفضول، ويدفع فضلات الدماغ من المخاط وغيره.
٧- وينبغي أن يوقى الطفل كل أمر يفزعه من الأصوات الشديدة الشنيعة والمناظر الفظيعة والحركات المزعجة.
٨- وتمام الرضاع حولين وذلك حق للولد إذا احتاج إليه ولم يستغن عنه، وأكَّدَهما بكاملين لئلا يحمل اللفظ على حول وأكثر، وينبغي للمرضع إذا أرادت فطامه أن تفطمه على التدريج، ولا تفاجئه بالفطام وهلة واحدة، بل تُعَوِّده إياه وتمرنه عليه لمضرة الانتقال عن الإلف والعادة مرة واحدة.
٩- ومن سوء التدبير للأطفال أن يُمَكَّنوا من الامتلاء من الطعام، وكثرة الأكل والشرب، ومن أنفع التدبير لهم أن يُعطَوا دون شبعهم، ليجود هضمُهم، وتعتدل أخلاطُهم، وتقل الفضول في أبدانهم، وتَصحَّ أجسادهم، وتقلَّ أمراضهم لقلة الفضلات في المواد الغذائية.
١٠- ومما يحتاج إليه الطفل غاية الاحتياج الاعتناء بأمر خُلُقِه، فإنه ينشأ على ما عوده المربي في صغره، من حرد وغضب ولجاج وعجلة وخفة مع هواه وطيش وحِدَّة وجشع، فيصعب عليه في كبره تلافي ذلك، ولهذا تجد أكثر الناس منحرفة أخلاقهم، وذلك من قبل التربية التي نشأ عليها.
١١- وينبغي لوليه أن يجنبه الأخذ من غيره غاية التجنب، فإنه متى اعتاد الأخذ صار له طبيعة، ونشأ بأن يأخذ لا بأن يعطي، ويعوده البذل والإعطاء، وإذا أراد الولي أن يعطي شيئا أعطاه إياه على يده ليذوق حلاوة الإعطاء.
١٢- ويجنبه الكذب والخيانة أعظم مما يجنبه السم الناقع، فإنه متى سهل له سبيل الكذب والخيانة أفسد عليه سعادة الدنيا والآخرة، وحرمه كل خير.
١٣- ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة، بل يأخذه بأضدادها، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل، فإن الكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة ندم، قال يحيى بن أبي كثير: لا ينال العلم براحة الجسم.
١٤- ويعوده الانتباه آخر الليل، فإنه وقت قسم الغنائم وتفريق الجوائز، فمستقل ومستكثر ومحروم، فمتى اعتاد ذلك صغيرا سهل عليه كبيرا " انتهى. "تحفة المودود (١٩٤-٢٠٣)
ثالثا:
أما بخصوص ما سألت عنه من نوم الطفل على فراش الوالدين، فلا حرج في ذلك أحيانا، فقد نام ابن عباس رضي الله عنهما وهو صغير عند خالته ميمونة، واضطجع هو في عرض الوسادة، واضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وميمونة في طولها.
رواه البخاري (١٣٨) ومسلم (٧٦٣)
قال في "عمدة القاري" (٣/٦٦) :
" فيه جواز الاضطجاع عند المحرم وإن كان زوجها عندها " انتهى.
ولكن ليس ذلك هو غالب الأحوال، بل الغالب التفريق بين المضاجع عموما.
وأما الهدي النبوي في تأديب الأطفال وعقوبتهم، فيرشد إلى أن بدء ضرب التأديب يكون بعد سن العاشرة.
وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم: (مُرُوا أَوْلَادَكُم بِالصَّلَاةِ وَهُم أَبنَاءُ سَبعِ سِنِينَ، وَاضرِبُوهُمْ عَلَيهَا وَهُم أَبنَاءُ عَشرٍ) رواه أبو داود (٤٩٥) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن بضرب الطفل على التقصير بركن الدين الأعظم وهو الصلاة قبل سن العاشرة، فمن الأولى في باقي الأمور الحياتية والسلوكية والتربوية.
قال الأثرم: سئل أبو عبد الله عن ضرب المعلم الصبيان، فقال: على قدر ذنوبهم، ويتوقَّى بجهده الضربَ، وإن كان صغيرا لا يعقل فلا يضربه.
"الآداب الشرعية" لابن مفلح (١/٥٠٦)
وأقصى عدد للضربات هو العشر:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لَا يُجلَدُ فَوقَ عَشرِ جَلدَاتٍ إِلَاّ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ) رواه البخاري (٦٨٥٠) ومسلم (١٧٠٨)
بل رأى القاضي شريح ألا يُضرَبَ الصبي على القرآن إلا ثلاثا، وكان عمر بن عبد العزيز يكتب إلى الأمصار: (لا يَقْرِن المعلم فوق ثلاث، فإنها مخافة للغلام) رواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العيال" (١/٥٣١)
ويجتنب الوجه في جميع الأحوال، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن تقبيح الوجه، وأمر باتقاء الضرب عليه. رواه أبو داود (٤٤٩٣) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ويمكن استعمال التهديد بالضرب، فقد يكون أنجع من الضرب نفسه، وقد جاء في تعليق السوط أو العصا في المنزل ليدرك الطفل أن ثمة عقابا على خطئه الذي يستحق العقاب، والذي يكون بسبب تجاوزه حدود الأدب والخلق.
عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(عَلِّقُوا السَّوطَ حَيثُ يَرَاهُ أَهلُ البَيتِ فَإِنَّهُ لَهُمْ أَدَبٌ) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (١١/١٣٣) والطبراني في "المعجم الكبير" (١٠/٢٨٤) وحسنه الألباني في "صحيح الجامع" (٤٠٢٢)
وفي وصية النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل رضي الله عنهما قال: (وَأَنفِقْ عَلَى أَهلِكَ مِنْ طَوْلِكَ، وَلَا تَرفَعْ عَنهُمْ عَصَاكَ أَدَبًا) رواه أحمد (٥/٢٣٨) وقال الألباني في "صحيح الترغيب" (١/١٣٨) حسن لغيره.
وما ذكرناه لك هو ـ كما ترين، أيتها السائلة الكريمة ـ شيء يسير، يدل على أن الأصل هو التربية بالتعليم والتوجيه والإرشاد، بالكلمة الطيبة والقدوة الحسنة والترغيب والترهيب، وأما اللجوء إلى العقاب فلا يكون إلا أخيرا، وبشكل يحقق المقصود ولا يتجاوز إلى إيذاء الطفل بدنيا أو نفسيا.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب