للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم دفع الصدقات لمن عنده بدعة

[السُّؤَالُ]

ـ[هل يجوز دفع الصدقات والمساعدات المالية لمن عنده بعض البدع؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا شك أن إعانة المسلم، وتفريج كربته، وسد خلته وعوزه، وكف ضيعته، كل ذلك من مقتضيات موالاته التي وجبت له بأصل إيمانه، كما قال الله تعالى: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) التوبة/٧١. وإلى ذلك يشير قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الْمُؤْمِنُ مِرْآةُ الْمُؤْمِنِ، وَالْمُؤْمِنُ أَخُو الْمُؤْمِنِ، يَكُفُّ عَلَيْهِ ضَيْعَتَهُ، وَيَحُوطُهُ مِنْ وَرَائِهِ) رواه أبو داود (٤٩١٨) وحسنه الألباني.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (يَكُفّ عَلَيْهِ ضَيْعَته) : أَيْ يَمْنَع تَلَفه وَخُسْرَانه. قال ابن الأثير: وَضَيْعَة الرَّجُل مَا يَكُون مِنْ مَعَاشه كَالصَّنْعَةِ وَالتِّجَارَة وَالزِّرَاعَة وَغَيْر ذَلِكَ، أَيْ يَجْمَع إِلَيْهِ مَعِيشَته، وَيَضُمّهَا لَهُ

وقوله: (وَيَحُوطهُ مِنْ وَرَائِهِ) : أَيْ يَحْفَظهُ وَيَصُونَهُ وَيَذُبّ عَنْهُ بِقَدْرِ الطَّاقَة. [انظر: عون المعبود]

وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا ـ وَشَبَّكَ أَصَابِعَهُ ـ) رواه البخاري (٤٨١) ومسلم (٢٥٨٥) .

قال النووي: " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُؤْمِن لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضه بَعْضًا) صَرِيح فِي تَعْظِيم حُقُوق الْمُسْلِمِينَ بَعْضهمْ عَلَى بَعْض , وَحَثّهمْ عَلَى التَّرَاحُم وَالْمُلاطَفَة وَالتَّعَاضُد فِي غَيْر إِثْم وَلا مَكْرُوه) .

والنصوص الشرعية من الكتاب والسنة الصحيحة كثيرة في هذا المعنى، وفي جميعها تعليق للموالاة والنصرة والحيطة بأسماء الإيمان والإسلام، فالواجب أن يكون ذلك هو أساس الحب والبغض، والعطاء والمنع، كما قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ أَعْطَى لِلَّهِ تَعَالَى وَمَنَعَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَحَبَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَبْغَضَ لِلَّهِ تَعَالَى وَأَنْكَحَ لِلَّهِ تَعَالَى فَقَدْ اسْتَكْمَلَ إِيمَانَهُ) أحمد (١٥١٩) والترمذي (٢٥٢١) وأبو داود (٤٦٨١) وحسنه الألباني.

وإذا كان الناس متفاوتين في معاني الإيمان والإسلام، فبعضهم أتقى لله، وأعظم استكمالا لهذه المعاني من بعض، فكذلك يتفاوت ما لكل واحد من حقوق الموالاة، بمقدار تحقيقه هذه المعاني، وإن اشتركوا في أصل الموالاة الواجبة.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى [٢٨/ ٢٠٩] :

(الله سبحانه بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله، فيكون الحب لأوليائه، والبغض لأعدائه والإكرام لأوليائه، والإهانة لأعدائه، والثواب لأوليائه والعقاب لأعدائه. وإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر، وفجور وطاعة ومعصية، وسنة وبدعة، استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحق من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر، فيجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا، كاللص الفقير تقطع يده لسرقته، ويعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته.

هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهل السنة والجماعة..) .

وعلى هذا الأصل العام ينبني الجواب عن هذا السؤال.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

(البدعة منها ما يُعذر فيه الإنسان، ومنها ما يصل إلى درجة الفسق، ومنها ما يصل إلى درجة الكفر؛ فأصحاب البدعة المكفرة لا تجوز معونتهم إطلاقا، وإن تسموا بالإسلام، لأن تسميهم بالإسلام مع الإقامة والإصرار على البدعة المكفرة، بعد البيان، يُلحقهم بالمنافقين الذين قالوا نشهد إنك لرسول الله، فقال الله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) المنافقون/١.

أما البدع المفسقة، أو التي يعذر فيها الإنسان بعذر سائغ، فإن بدعتهم لا تمنع معونتهم، فيعاونون على أعدائهم الكفار، لأنهم لا شك خير من هؤلاء الكفار.) الباب المفتوح، اللقاء الثاني ١/٦٦.

لكن ينبغي أن يُمنعوا من صرف هذه الأموال في إقامة بدعتهم، أو نشرها، فإن علم منهم، أو غلب على ظن المعطي أنهم يستعينون بها على بدعتهم، ولم يمكن منعهم من ذلك، ولا صرفها في حاجاتهم المباحة، فإنهم لا يُعطون من هذه الأموال، لما فيه من إعانتهم على إثمهم، وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثم وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/٢.

والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>