للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تعطي الفدية لأولادها وأبنائهم أو غيرهم كوجبة إفطار؟

[السُّؤَالُ]

ـ[والدتي لا تستطيع الصيام في رمضان، ولهذا أخرج عنها فدية الصيام عن كل شهر رمضان، هل يجوز أن تكون الفدية على أولادها وأبنائهم كوجبة إفطار؟

أو هل يجوز أن تكون الفدية لإفطار طلاب أحد الصفوف؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً؛ لقوله تعالى: (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) البقرة/١٨٤. قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: (لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) رواه البخاري (٤٥٠٥) .

والمريض مرضاً لا يُرجى حصول الشفاء منه كالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام. "المغني" (٤/٣٩٦) .

وبهذا يُعلم أن هذه الفدية إنما تعطى للمساكين، لا لكل أحد.

فإذا كان الأولاد وأولادهم والطلاب المذكورون في السؤال أغنياءَ، وليسوا فقراء فلا يجوز إعطاء الكفارة إليهم.

ثانياً:

وأما إعطاء الكفارة للأولاد وأبنائهم، فقد اعتبر أهل العلم رحمهم الله أن الكفارة في ذلك كالزكاة، لا يجوز أن يدفعها الإنسان إلى مَنْ تلزمه النفقة عليه.

وممن يجب النفقة عليهم: الأصول والفروع.

والأصول هم: الأب والأم والأجداد والجدات.

والفروع هم: الأبناء والبنات وأولادهم.

قال ابن قدامة في "المغني" (١١/٣٧٤) :

" ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن عَلَوا (يعني الأجداد وآباءهم) , وولدِ الولد وإن سَفَلُوا (يعني الأولاد وأولادهم) , وبذلك قال الشافعي والثوري , وأصحاب الرأي " انتهى.

وعلى هذا لا يجوز أن تعطي الكفارة المذكورة للأولاد وأولادهم لأنه يجب على (أمك) أن تنفق عليهم.

وقال الشافعي في "الأم" (٧/٦٨) :

" لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا، فإن أطعم منها ذميا محتاجا , أو حرا مسلما غير محتاج لم يجزه ذلك , وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا، وعليه أن يعيد، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته , ثم علم أعاد " انتهى باختصار.

وقال في أسنى المطالب (٣/٣٦٩) :

" ويعتبر في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة، فلا يجزئ الدفع إلى كافر. . . ولا إلى من تلزمه نفقته. . . لأن الكفارة حق لله تعالى، فاعتبروا فيها صفات الزكاة " انتهى.

ولكن.. إذا كانت (أمك) لا تستطيع النفقة عليهم، لقلة مالها، فلا يجب عليها أن تنفق عليهم، لقول الله تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا) البقرة/٢٨٦.

وفي هذه الحال يجوز أن تخرج الكفارة إليهم.

وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تمراً ليخرجه كفارة، ثم أخبر الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أفقر أهل بيت في المدينة، قال النبي صلى الله عليه وسلم له: (أَطْعِمْهُ أَهْلَك) .

قال الحافظ في "الفتح":

" قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد: تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْمَذَاهِب، فَقِيلَ: إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ، لأَنَّ الْكَفَّارَة لا تُصْرَفُ إِلَى النَّفْس وَلا إِلَى الْعِيَال.

وَقَالَ الْجُمْهُور: لا تَسْقُط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ , وَاَلَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الْكَفَّارَة (بل هو صدقة تصدق بها النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وأهله) .

وَقِيلَ: لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَة أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْكَفَّارَةَ لَهُمْ , وَهَذَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث.

قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّين (وهو شيخ الإسلام ابن تيمية) : وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الإِعْطَاءُ لا عَلَى جِهَةِ الْكَفَّارَةِ، بَلْ عَلَى جِهَة التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْله بِتِلْك الصَّدَقَة لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَاجَتهمْ " انتهى باختصار.

فتَحَصَّلَ من ذلك أنه لا يجوز أن يُعطِي الكفارة لمن تلزمه النفقة عليه، وأنه إذا كان فقيرا لا يستطيع أن ينفق عليهم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطائهم الكفارة.

وقد سبق في جواب السؤال (٢٠٢٧٨) نقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يجوز إخراج الزكاة إلى أقاربه الذين لا يستطيع أن ينفق عليهم بسبب فقره وقلة ماله.

ومما جاء فيها: " إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة. .

إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز.

أما إذا كان مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك " انتهى.

والخلاصة: أنه إذا كانت (أمك) غنية تستطيع أن تنفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم الكفارة، وإذا كانت لا تستطيع أن تنفق عليهم جاز أن تعطيهم الكفارة.

ثالثاً:

وإما إعطاؤها كإفطار صائم، فلا بأس به، لإطلاق الآية الكريمة: (فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) ، ويُرجى أن يكون ذلك أكثر ثواباً لما فيه من تفطير الصائم. ولكن بشرط أن يكون ذلك الصائم مسكيناً كما سبق.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>