التحايل على الدولة بشراء مزرعة وتسجيل قيمتها بأقل من ثمنها وزكاة ثمارها
[السُّؤَالُ]
ـ[في العام الماضي اشترى والدي مزرعة من أحد الأشخاص لكنه أمرني أن أذهب أنا مع البائع إلى الحكومة لتسجيل عقد البيع على أساس أن أكون المشتري، ولتكون المزرعة باسمي؛ وذلك لأنه يود الحصول على مزرعة أخرى كان قدَّم عليها لدى الدولة باسمه؛ حيث أنهم كانوا سيلغون طلبه لتلك المزرعة لو أن المزرعة التي لدينا الآن كانت باسمه، فهو يريد الآن أن يمتلك مزرعتين! عندما ذهبنا أنا والبائع إلى الحكومة قلت إنني دفعت له مبلغاً معيَّناً وهو المبلغ الذي قال لي أبي أن أقول إنني دفعته، ولكن في الواقع ذلك لم يكن هو المبلغ الذي استلمه صاحب المزرعة السابق، بل استلم مبلغاً أكبر، فالدولة تطلب من مشتري المزرعة أن يدفع قيمة مالية إضافية إجبارية للحكومة على حسب المبلغ الذي دفعه المشتري للبائع، وكلما كانت قيمة المزرعة أكبر كان تلك القيمة المالية أعلى (لا أذكر لم هي تلك القيمة المالية، لكني أظنها تأميناً) ، لذلك فإن والدي أراد إخفاء السعر الحقيقي الذي بيعت به المزرعة حتى يدفع مبلغاً أقل. فهل يجوز ما فعله أبي؟ وهل يجوز ما فعلته أنا عندما كذبت بشأن سعر المزرعة؟ . وهذه المزرعة ممنوعة من التسويق من قبل الدولة، فهل تجب عليها الزكاة حتى وإن لم تكن منتجاتها ستباع وتشترى؟ إذا كان الجواب بنعم تجب الزكاة: فمن المسئول عن دفع الزكاة هل هو أنا أم والدي؛ لأن المزرعة مكتوبة باسمي؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
حكم تسجيلك للمزرعة التي دفع والدك ثمنها باسمك يختلف باختلاف السبب الدافع لهذا الأمر، فإن فعلتما ذلك من أجل دفع ضر عنكم، مثل أن يوجد قانون جائر يمنع مِن تملك أكثر من مزرعة: فيجوز لكم فعل ذلك، ولا حرج في تسجيل المزرعة المشتراة باسمك أو باسم غيرك، وأما إن كان هذا الفعل منكما من أجل الحصول على منفعة ليست من حقكم، مثل أن تَشترط الدولة للحصول على مزرعة عن طريقها هبةً أو بسعرٍ مخفَّض: عدم وجود مزرعة عند المتقدم بالطلب: فهذا الفعل منكما حرام، وهو من أكل أموال الناس بالباطل.
وإذا أردتم إصلاح الوضع - إن كان الأمر على الصورة الثانية -: فيمكنك أن تشتري المزرعة أنت شراءً حقيقيّاً من والدك، وتكون لك، أو أنكم تبيعونها، ويرجع الأمر كما كان، وهو أن والدك لا يملك مزرعة.
ثانياً:
وأما حكم الكذب في الإخبار عن حقيقة ثمن المزرعة من أجل توفير الرسوم الضريبية: فإن هذا الأمر جائز؛ لأن أخذ أموال الناس عن طريق الجمارك أو الضرائب من المحرمات، ولا حرج على المسلم إذا سعى في إنقاذ ماله من ذلك، لكن كلما أمكن التعريض والكلام المحتمل فهو أولى من الكذب.
قال ابن حزم رحمه الله:
"واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم [أي الضرائب] على الطرق، وعند أبواب المدن، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة، والتجار: ظلم عظيم، وحرام، وفسق " انتهى.
" مراتب الإجماع " (ص ١٢١) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند ذِكر ما يأخذه الإمام:
"ونوع يحرم أخذه بالإجماع ... كالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا" انتهى.
" مجموع الفتاوى " (٢٨ / ٢٧٨) .
وليست هذه من حقوق السلطان، بل من سمَّاها حقّاً فإنه يقع في إثم عظيم.
قال النووي رحمه الله:
"مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه: ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ ممن يبيع أو يشتري ونحوهما فإنهم يقولون: هذا حقّ السلطان، أو عليك حقّ السلطان، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقّاً أو لازماً ونحو ذلك، وهذا من أشدّ المنكرات، وأشنع المستحدثات حتى قال بعضُ العلماء: من سمَّى هذا حقّاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام! والصحيحُ: أنه لا يكفرُ، إلا إذا اعتقده حقّاً مع علمه بأنه ظلم، فالصوابُ أن يُقال فيه المَكسُ، أو ضريبةُ السلطان، أو نحو ذلك من العبارات" انتهى.
" الأذكار " (ص ٣٦٩) .
وانظر أجوبة الأسئلة (٣٩٤٦١) و (٢٥٧٥٨) و (٤٢٥٦٣) .
وأما إن كان المستوفى من معاملات البيع والشراء هو رسوم عادية تتعلق بخدمات تؤدى للبائع أو المشتري أو لكليهما: فلا يجوز التهرب منها بحال، بل يصبح هذا حقّاً للآخذ لا يجوز التحايل عليه، والتهرب من دفع ما له من حق.
ثالثاً:
وفيما يتعلق بسؤالك عن زكاة ما يخرج من المزرعة: فاعلم أن الزكاة واجبة على صاحب المزرعة الحقيقي، وهو هنا والدك.
ولا يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تكون للبيع بل تجب فيها الزكاة ولو كانت من أجل أن يأكل منها صاحبها وأولاده وأهله.
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
عندي في منزلي خمس نخلات، وكلها مثمرة، هل في ثمارها زكاة؟ وما مقدارها؟ .
فأجاب:
"هذه مسألة في الحقيقة السؤال عنها جيد، كثير من الناس عندهم بيوت فيها نخل، والنخل تكون ثمارها بالغة للنصاب، ومع ذلك لا يزكونه؛ لأنهم يظنون أن الزكاة تجب في الحوائط الكبيرة، أما النخلات التي في البيت: فيظن كثير من الناس أنه ليس فيها زكاة، ولكن الأمر ليس كذلك، بل نقول: إذا كان في بيتك نخل وعندك بستان آخر، وكانت النخل الموجودة في البيت لا تبلغ النصاب: فإنها تضم إلى النخل الذي في البستان.
أما إذا لم يكن عندك بستان: فإننا ننظر في النخل الذي في البيت، إن كان يبلغ النصاب: وجبت الزكاة، وإن كان لا يبلغ النصاب: فلا زكاة فيه.
والنصاب ثلاثمائة صاع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ... .
الخلاصة: أن النخل الذي في البيت إن كان مالك البيت عنده بستان فيه نخل: فإن ثمرة النخل الذي في البيت تضم إلى ثمرة النخل الذي في البستان، فإذا بلغ مجموعها نصاباً: وجب إخراج الزكاة.
وإن لم يكن له بستان: فإننا نعتبر النخل الذي في البيت بنفسه، ونقول: إذا بلغت ثمرتها نصاباً: وجب فيها الزكاة، وإلا فلا.
والزكاة نصف العشر فيما يسقى بمؤونة، والعشر كاملاً فيما يسقى بلا مؤونة" انتهى.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (١٨ / السؤال رقم ٣٩) .
ووقع خلاف بين العلماء في الزرع الذي يُزكى، وما رجحناه في موقعنا هو أن الزكاة تجب في الثمر الذي يكال ويدخر، وانظر ذلك في جواب السؤال رقم (٣٥٩٣) .
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب