هل يكرر النهي والتذكير، كلما تكرر نفس المنكر؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[يراودني كثيرا أن أنهى عن المصافحة المحرمة بين أهلي وأقاربي، لأن هذه العادة المحرمة القبيحة انتشرت عندنا كثيرا، وقد سبق لي وأن نهيت بعض أقاربي عن ذلك، ولكنني الآن أسأل، هل يجب علي أن أنهاهم في كل مرة أراهم يتصافحون، لأن ذلك يؤلمني كثيراً، أم سأنهاهم مرة وأتركهم مرة؟ وأخيرا هل سأنهاهم وهم مجتمعون يعني في الملأ، خاصة إذا كان فيهم واحد فقط يصافح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
فالأمر كما تفضلت أخي الكريم أن مصافحة النساء للرجال الأجانب منكر دلت النصوص على تحريمه، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لَأَنْ يُطَعْنَ فِي رَأْسِ أَحَدِكُمْ بِمِخْيَطِ مِنْ حَدِيدٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمَسَّ امْرَأَةً لَا تَحِلُّ لَهُ) . رواه الطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (٥٠٤٥)
وفي صحيح مسلم (١٨٦٦) عن عروة أن عائشة أخبرته عن بيعة النساء قالت: " ما مس رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده امرأة قط إلا أن يأخذ عليها فإذا أخذ عليها فأعطته، قال: اذهبي فقد بايعتك ".
والمنكر يجب تغييره على من رآه من المكلفين وكان قادراً على ذلك، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (٧٠) من حديث أبي سعيد.
قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم: (قوله صلى الله عليه وسلم "فليغيره " أمر إيجاب بإجماع الأمة، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة وهو أيضاً من النصيحة التي هي الدين.) انتهى.
وقال العلامة القرافي رحمه الله في الفروق (٤/٢٥٧) : " قال العلماء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على الفور إجماعاً فمن أمكنه أن يأمر بمعروف وجب عليه " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم في بيان من يجب عليه إنكار المنكر: " ثم إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به بعض الناس سقط الحرج عن الباقين وإذا تركه الجميع أثم كل من تمكن منه بلا عذر ولا خوف، ثم إنه قد يتعين –أي يصير واجباً على شخص بعينه- كما إذا كان في موضع لا يعلم به إلا هو أو لا يتمكن من إزالته إلا هو، وكمن يرى زوجته أو ولده أو غلامه على المنكر أو تقصير في المعروف، قال العلماء رضي الله عنهم: ولا يسقط عن المكلف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكونه لا يفيد في ظنه بل يجب عليه فعله فإن الذكرى تنفع المؤمنين " انتهى.
فإنكار المنكر إذا لا يتقيد بعدد بحيث ينكر مرة أو مرتين ثم يترك؛ بل من رأى منكرا وقدر على إنكاره، وجب عليه ذلك.
لكن اختلف العلماء في مسألة الإنكار على من يظن أنه لا ينزجر عن المنكر بالإنكار عليه فمنهم من يرى وجوب الإنكار عليه إعذاراً إلى الله، وتأميلا في أن ينتفع الموعوظ، وهو ظاهر كلام النووي السابق. ومنهم من يرى عدم الوجوب لكنه يستحب عنده.
قال العلامة السفاريني الحنبلي رحمه الله في غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (١/٢١٥) : " وقال الحافظ ابن رجب في شرح الأربعين النووية: حكى القاضي أبو يعلى روايتين عن الإمام أحمد في وجوب إنكار المنكر على من يعلم أنه لا يقبل منه وصحح القول بوجوبه وهو قول أكثر العلماء، وقد قيل لبعض السلف في هذا فقال يكون لك معذرة " انتهى.
وبهذا يتبين أنه: إن كنت قادراً على النهي عن هذا المنكر، دون أن يترتب على ذلك مفسدة أعظم، كأن يعاند من تنكر عليه فيصرح باستحلال المحرم، أو الجرأة على الشريعة وأحكامها، أو نحو ذلك من المنكرات التي قد تترتب على إنكار المنكر، خاصة إذا صاحبه غلظة من الآمر، أو إحراج له أمام من لا يحفظ هيئته عنده، فإذا وجدت هذه القدرة: فإنه يجب عليك أن تنكر هذا المنكر وإن ظننت أنهم لن ينتهوا عن ذلك، وينبغي أن تتلطف بمن تنكر عليه قدر الاستطاعة لعل ذلك يكون سبباً في قبوله النصح.
وأما هل تنكر هذا المنكر سراً أو جهراً، فالجواب أن الأصل أنه من أظهر المنكر أنكر عليه جهراً، ومن أسر به لم تجز المجاهرة بالإنكار عليه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في الفتاوى الكبرى (٣/٤٣٤) : " وأما إذا أظهر الرجل المنكرات وجب الإنكار عليه علانية ولم يبق له غيبة " انتهى.
لكن مسألة الإسرار أو الجهر ترجع ـ في الحقيقة ـ إلى فقه المصلحة المرجوة من كل منهما، فإن غلب على الظن أن الفاعل ينتفع بالإسرار، ويعاند بالعلانية، وجب الإسرار له، والتلطف في أمره، ثم كل حال هنا بحسبها، وقد جعل الله لكل شيء قدرا.
وفي الختام نذكرك أيها الأخ الحبيب بثواب الله تعالى لمن تصدى لدعوة الناس إلى الخير وتذكيرهم به.
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله وملائكته وأهل السموات والأرضين حتى النملة في جحرها وحتى الحوت ليصلون - أي يدعون بالخير- على معلم الناس الخير) رواه الترمذي (٢٦٠٩) وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (١٨٣٨)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجوب