لم يثبت أن علياً رضي الله عنه ولد في الكعبة
[السُّؤَالُ]
ـ[هل يجوز للمرأة أن تضع مولودة في المسجد؟ وهل صحيح أن سيدنا علي بن أبي طالب قد ولد في الكعبة؟ وإذا كان صحيحا فالمرأة أثناء الوضع لا تكون على طهور، فكيف تدخل المسجد وهو بيت من بيوت الله وهي نفساء؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
لا يجوز للحائض والنفساء أن تبقى في المسجد.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (٢٠/٢٤٣)
"لَا خِلَافَ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ دُخُول الْمَسْجِدِ، وَالْمُكْثُ فِيهِ وَلَوْ بِوُضُوءٍ" انتهى.
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (٦٠٢١٣) و (٣٣٦٤٩) .
ثانيا:
أما خبر ولادة علي بن أبي طالب رضي الله عنه في الكعبة:
فقد قال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك" (٥/٢٠٦) : " تواترت الأخبار أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة " انتهى.
فتعقبه ابن الملقن رحمه الله فقال:
"حَكِيم بن حزام رضي الله عنه ولد فِي جَوف الْكَعْبَة، وَلَا يعرف أحد ولد فِيهَا غَيره، وَأما مَا رُوِيَ عَن عَلّي رَضي اللهُ عَنهُ أَنه ولد فِيهَا فضعيف، وَخَالف الْحَاكِم فِي ذَلِكَ فَقَالَ فِي «الْمُسْتَدْرك» فِي تَرْجَمَة عَلّي أَن الْأَخْبَار تَوَاتَرَتْ بذلك" انتهى.
"البدر المنير" (٦/٤٨٩) .
وقد سئل د. الشريف حاتم بن عارف العوني (عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى) :
هل صحيح أن سيدنا علياً رضي الله عنه وُلِد داخل الكعبة؟ وإذا كان الجواب نعم فهل في هذا ميزة له رضي الله عنه؟
فأجاب:
" لم يرد حديثٌ صحيحٌ بذلك، ولم يرد بذلك شيءٌ في المصادر الموثوقة من مصادر السنة؛ إلا ما جاء في كلامٍ لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، وما ورد في مناقب علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) لابن المغازلي.
أما الحاكم فأورد ما جاء عن بعض نسّابي قريشٍ، من أن حكيم بن حِزام رضي الله عنه وُلد في جوف الكعبة، فلم يُنكر ذلك، لكنه لما أورد قول مصعب بن عبد الله الزُّبيري عن حكيم: " وأمه فاختة بنت زهير بن أسد بن عبد العزى، وكانت ولدت حكيمًا في الكعبة، وهي حامل، فضربها المخاض وهي في جوف الكعبة، فولدت فيها، فحُمِلت في نِطْعٍ، وغُسل ما كان تحتها من الثياب عند حوض زمزم.
قال مصعب: ولم يُولد قبلَه، ولا بعده، في الكعبة أحدٌ".
فتعقّبه الحاكم قائلًا: " وَهِمَ مصعبٌ في الحرف الأخير، فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة ".
وأما ما جاء عند ابن المغازلي، فإنه أسند خبرًا فيه قصة مولد علي (رضي الله عنه) في جوف الكعبة (مناقب علي رقم ٣) ؛ لكن إسناده شديد الضعف، لتتابع المجهولين في إسناده، مع نكارة القصة التي تفرّدوا بها. وهذا أحد أكبر عيوب كتاب ابن المغازلي في المناقب، حتى قال شيخ الإسلام ابن تيمية عن كتابه هذا: "قد جمع في كتابه من الأحاديث الموضوعات ما لا يخفى أنه كذبٌ على من له أدنى معرفةٍ بالحديث". كما في منهاج السنة النبوية (٧/١٥) .
فأما قول الحاكم: " فقد تواترت الأخبار: أن فاطمة بنت أسد ولدت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في جوف الكعبة "، فـ (المتواتر) عند الحاكم ليس هو المتواتر عند الأصوليين، والذي يعنون به الخبر الذي يفيد العلم اليقيني الضروري لكثرة المخبرين به. كما نبّه على ذلك البلقيني في محاسن الاصطلاح (٤٥٣) ، والعراقي في التقييد والإيضاح (١/٧٧٦) .
فلا يتجاوز كلام الحاكم أن يكون إخبارًا عن أن هذا الأمر في زمنه كان من الأمور المشهورة بين الناس، ولا يدل على أكثر من ذلك؛ لما بيّنّاه من أن المتواتر عنده ليس هو المتواتر عند الأصوليين.
وإذا تبيّنَ ذلك: فإن مجرّد الشهرة في زمن الحاكم المتوفَّى سنة (٤٠٥هـ) ، لا تُغني شيئًا؛ خاصةً إذا خالفت مقالةً لمن هو أقرب زمنًا منه من زمن الحادثة التي اشتهرت في زمنه، وهو مصعب الزبيري المتوفَّى سنة (٢٣٦هـ) ، وهو علّامةٌ في نسب قريشٍ وأخبارها، حيث نفى أن يكون أحدٌ قد وُلد في جوف الكعبة غير حكيم بن حزامٍ كما سبق.
أما سبب شهرة هذا الأمر في زمن الحاكم: فهو لأنه مما تدّعيه الشيعةُ لعلي رضي الله عنه، وهو عندهم يكاد يكون من المسلّمات، دون أن يكون لديهم برهانٌ صحيحٌ عليه. حتى قال شاعرهم (وهو السيد الحميري، كما في ديوانه ٦٤:) عن فاطمة بنت أسد أمِّ علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) :
ولدتْهُ في حرم الإله وأمنِه والبيتِ حيثُ فناؤه والمسجدُ
بيضاءُ طاهرةُ الثيابِ كريمةٌ طابت وطاب وليدُها والمولدُ
وتناقلت ذلك المصادرُ الشيعيةُ، كأمالي الشيخ الصدوق وأمالي الطوسي وغيرها.
وفي الإمام الحاكم تشيّعٌ يسير، نص عليه أهل العلم. فلعل مصدره هو شهرة هذا الخبر في زمنه بين عموم الناس، والناس أخذوها من الشيعة ومن مثل هذه الأخبار غير المعتمدة "
انتهى.
http://www.alalbayt.com/index.php?option=com_content&task=view&id=٣٤٤٩&Itemid=٨٧%٢٠-%٢٠٣٥k
فتبين بذلك أن خبر ولادة علي رضي الله عنه بالكعبة لا يصح.
وعلى فرض صحة ثبوت ذلك، فلا يستفاد منه حكم شرعي، لأن ولادته رضي الله عنه كانت قبل النبوة، يعني في الجاهلية، قال الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (٤/٥٦٤) :
" ولد قبل البعثة بعشر سنين على الصحيح " انتهى.
ونحن مخاطبون بشريعة الإسلام، فلا حجة فيما كان قبل البعثة.
وقد أمرنا الله تعالى بتعظيم المساجد في قوله: (فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) .
قال السعدي رحمه الله:
" (أَذِنَ) أي: أمر ووحي
(أَنْ تُرْفَعَ) يدخل في رفعها: بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يحترزون عند النجاسة، وعن الكافر وأن تصان من اللغو ورفع الأصوات فيها" انتهى.
"تفسير السعدي" (ص ٦٦٣) .
فيجب تنزيه المساجد عن كشف العورات والدم الحاصل بسبب الولادة.
وعلى فرض، أن امرأة أخذها الطلق وهي في المسجد ولم نستطع نقلها إلى مكان آخر، فهذه حالة ضرورة لا يستفاد منها جواز هذا العمل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب