حكم رفع البصر إلى السماء في الدعاء عقب الصلاة
[السُّؤَالُ]
ـ[ما حكم النظر في السماء بالدعاء بعد الصلاة المفروضة؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
الدعاء بعد الفريضة إن كان مع التزام رفع اليدين، أو كان جماعيا بصوت واحد، أو يدعو الإمام ويؤمن المأمومون، فهذا لا أصل له، وهو من البدع المنتشرة اليوم، وإن خلا من هذه الأشياء فلا حرج فيه؛ لثبوت الدعاء عنه صلى الله عليه وسلم قبل السلام من الصلاة وبعده.
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء: هل الدعاء بعد صلاة الفرض سنة؟ وهل الدعاء مقرون برفع اليدين؟ وهل ترفع مع الإمام أفضل أم لا؟
فأجابوا: " ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان ذلك برفع الأيدي، سواء كان من الإمام وحده، أو المأموم وحده، أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به لورود بعض الأحاديث في ذلك " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (٧/١٠٣) .
وقالوا أيضا: " الدعاء جهرا عقب الصلوات الخمس والسنن والرواتب أو الدعاء بعدها على الهيئة الاجتماعية على سبيل الدوام بدعة منكرة؛ لأنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء من ذلك، ولا عن أصحابه رضي الله عنهم " انتهى نقلا من "فتاوى إسلامية" (١/٣١٩) .
وينظر جواب السؤال رقم (٢٦٢٧٩) .
ثانيا:
جاء في النهي عن رفع المصلي بصره إلى السماء: ما روى البخاري (٧٥٠) عن أَنَس بْن مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إِلَى السَّمَاءِ فِي صَلَاتِهِمْ فَاشْتَدَّ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ حَتَّى قَالَ: لَيَنْتَهُنَّ عَنْ ذَلِكَ أَوْ لَتُخْطَفَنَّ أَبْصَارُهُمْ) .
والعلة في ذلك أن رفع البصر أثناء الصلاة ينافي الخشوع، ويعرض المصلي للانشغال بما يراه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فلما كان رفع البصر إلى السماء ينافي الخشوع حرمه النبي صلى الله عليه وسلم وتوعد عليه" انتهى من "القواعد النورانية" (ص ٤٦) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " قوله: (ورفع بصره إلى السماء) ، أي: يكره رفع بصره إلى السماء وهو يصلي، سواء في حال القراءة أو في حال الركوع، أو في حال الرفع من الركوع، أو في أي حال من الأحوال؛ بدليل وتعليل: أما الدليل، فلأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم إلى السماء في الصلاة، أو لتخطفن أبصارهم) أي: إما أن ينتهوا، وإما أن يعاقبوا بهذه العقوبة وهي: أن تخطف أبصارهم فلا ترجع إليهم، واشتد قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ... وأما التعليل: فلأن فيه سوء أدب مع الله تعالى؛ لأن المصلي بين يدي الله، فينبغي أن يتأدب معه، وأن لا يرفع رأسه، بل يكون خاضعا، ولهذا قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: إنه كان قبل أن يسلم يكره النبي صلى الله عليه وسلم كراهة شديدة، حتى كان يحب أن يتمكن منه فيقتله، فلما أسلم قال: ما كنت أطيق أن أملأ عيني منه؛ إجلالا له، ولو سئلت أن أصفه ما أطقت.
ولهذا كان القول الراجح في رفع البصر إلى السماء في الصلاة أنه حرام، وليس بمكروه فقط " انتهى.
"الشرح الممتع" (٣/٢٢٦) .
وأما رفع البصر إلى السماء خارج الصلاة، فلا حرج فيه؛ لعدم ما يدل على المنع منه، بل ذهب بعض الفقهاء إلى أن الرفع هو الأولى.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (٨/٩٩) : " نص الشافعية على أن الأولى في الدعاء خارج الصلاة رفع البصر إلى السماء، وقال الغزالي منهم: لا يرفع الداعي بصره إليها " انتهى.
وقال النووي رحمه الله في "شرح مسلم": " قَالَ الْقَاضِي عِيَاض: وَاخْتَلَفُوا فِي كَرَاهَة رَفْع الْبَصَر إِلَى السَّمَاء فِي الدُّعَاء فِي غَيْر الصَّلَاة فَكَرِهَهُ شُرَيْح وَآخَرُونَ , وَجَوَّزَهُ الْأَكْثَرُونَ " انتهى.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: " ولا يكره رفع بصره إلى السماء في الدعاء؛ لفعله صلى الله عليه وسلم، وهو قول مالك والشافعي، ولا يستحب " انتهى.
"الفتاوى الكبرى" (٥/٣٣٨) .
وبَوَّب البخاري رحمه الله في صحيحه: باب رفع البصر إلى السماء، وذكر قوله تعالى: (أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت وإلى السماء كيف رفعت) الغاشية/١٧، ١٨، وقول عائشة رضي الله عنها: (رفع النبي صلى الله عليه وسلم رأسه إلى السماء) ، أي: عند وفاته صلى الله عليه وسلم.
ومراد البخاري رحمه الله بيان جواز رفع البصر إلى السماء، وأن النهي خاص بحال الصلاة.
ودل على جواز رفع البصر إلى السماء في الدعاء خارج الصلاة: ما رواه مسلم (٢٠٥٥) في قصة شرب المقداد رضي الله عنه لشراب النبي صلى الله عليه وسلم دون علمه وفيه: (ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَصَلَّى ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنْهُ فَلَمْ يَجِدْ فِيهِ شَيْئًا فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلْتُ: الْآنَ يَدْعُو عَلَيَّ فَأَهْلِكُ. فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطْعِمْ مَنْ أَطْعَمَنِي، وَأَسْقِ مَنْ أَسْقَانِي) .
وروى أبو داود (٣٤٨٨) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسًا عِنْدَ الرُّكْنِ قَالَ: فَرَفَعَ بَصَرَهُ إِلَى السَّمَاءِ فَضَحِكَ، فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ ثَلَاثًا، إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ الشُّحُومَ فَبَاعُوهَا، وَأَكَلُوا أَثْمَانَهَا، وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا حَرَّمَ عَلَى قَوْمٍ أَكْلَ شَيْءٍ حَرَّمَ عَلَيْهِمْ ثَمَنَهُ) ، والحديث صححه النووي في المجموع، والألباني في صحيح أبي داود.
والحاصل: أن رفع البصر إلى السماء عند الدعاء خارج الصلاة، جائز لا حرج فيه.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب