فلينظر الإنسان مما خلق
[السُّؤَالُ]
ـ[هل خلق الله الإنسان من طين أم خلقه من شيء آخر لم يتم وصفه في القرآن؟ .]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من الأرض أي مما تحويه وذلك قوله: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} طه/٥٥، فخلقه من ترابها وهذا قوله تعالى: {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب} آل عمران/٥٩.
وفي ذلك آيات في القرآن كثيرة.
ثم جبلت تربتها بالماء فكانت طيناً وفي ذلك يقول رب العالمين: {هو الذي خلقكم من طين ثم قضى أجلاً وأجل مسمى عنده ثم أنتم تمترون} الأنعام/٢.
وفي ذلك أيضاً آيات كثيرة أيضاً.
وكان الطين لازباً - أي: لاصقاً، وقيل: لزجاً - وفي هذا يقول تعالى: {إنا خلقناهم من طين لازب} الصافات/١١.
قال ابن منظور: ولَزِبَ الطينُ يَلْزُبُ لُزُوباً، ولزُبَ: لَصِقَ وصَلُب َ، وفي حديث عليّ عليه السلام: دخَل بالبَلَّةِ حتى لَزَبَتْ أَي لَصقتْ ولزمت ْ. وطينٌ لازبٌ أَي لازقٌ. قال الله تعالى: من طِينٍ لازبٍ. " لسان العرب " ١/٧٣٨.
ثم صار هذا الطين اللازب منتناً فقال تعالى في ذلك: {ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون} الحجر/٢٦.
قال الرازي:
الحَمَأُ: بفتحتين والحَمَأةُ بسكون الميم الطين الأسود. " مختار الصحاح " ص/٦٤.
وقال في " لسان العرب " ١/٦١:
حمأ: الحَمْأَةُ، والحَمَأُ: الطين الأَسود المُنتن؛ وفي التنزيل: {من حَمَإٍ مسنون} .
وقال في " لسان العرب " (١٣ / ٢٢٧) :
المَسْنون: المُنْتِن، وقوله تعالى {مِن حَمَإٍ مَسْنُونٍ} : قال أَبو عمرو: أَي متغير منتن؛ وقال أَبو الهيثم: سُنَّ الماءُ فهو مَسْنُون أَي: تغيَّر.
وحيث أن هذا الطين كان مخلوطاً بالرمل: فهذا هو الصلصال.
قال الرازي:
الصَّلْصالُ: الطين الحر خُلط بالرمل فصار يَتَصَلْصَلُ إذا جف، فإذا طُبخ بالنار فهو الفخار. " مختار الصحاح " ١/١٥٤
وقال في " لسان العرب " (١١ / ٣٨٢) :
والصَّلْصالُ مِن الطِّين: ما لم يُجْعَل خَزَفاً، سُمِّي به لَتَصَلْصُله؛ وكلُّ ما جَفَّ من طين أَو فَخَّار فقد صَلَّ صَلِيلاً، وطِينٌ صِلَاّل ومِصْلالٌ أَي يُصَوِّت كما يصوِّت الخَزَفُ الجديد.
ثم شبه الصلصال بالفخار وذلك قوله تعالى: {خلق الإنسان من صلصال كالفخار} الرحمن/١٤.
وهذا كله يصدقه حديث أبي موسى الأشعري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الله عز وجل خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك والسهل والحزن والخبيث والطيب ". رواه الترمذي (٢٩٥٥) وأبو داود (٤٦٩٣) . والحديث: قال عنه الترمذي: حسن صحيح، وصححه ابن حبان (١٤/٢٩) والحاكم (٢/٢٨٨) والألباني في صحيح أبي داود ٣٩٢٦.
هذا خلق آدم عليه السلام: من الأرض - من ترابها -، ثم جُبل بالماء فكان طيناً ثم صار طيناً أسود منتناً وكون ترابه من الأرض التي بعضها رمل لما جبل كان صلصالاً كالفخار.
ولذلك لما وصف الله خلق آدم في القرآن في كل مرة وصفه بأحد أطواره التي مرَّت بها طريقة خلقه وتكوينة طينته فلا تعارض في آيات القرآن.
ثم أصبح أبناء آدم بعد ذلك يتكاثرون وصار خلقهم من الماء وهو المني الذي يخرج من الرجال والنساء وهو معروف.
وهذا يبينه القرآن في قوله تعالى: {وهو الذي خلق من الماء بشراً فجعله نسبا وصهراً} النور/٥٤، وقوله تعالى: {ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين} السجدة/٨.
قال ابن القيم رحمه الله:
لما اقتضى كمال الرب تعالى جل جلاله وقدرته التامة وعلمه المحيط ومشيئته النافذة وحكمته البالغة تنويع خلقه من المواد المتباينة وإنشاءهم من الصور المختلفة والتباين العظيم بينهم في المواد والصور والصفات والهيئات والأشكال والطبائع والقوى اقتضت حكمته أن أخذ من الأرض قبضة من التراب ثم ألقى عليها الماء فصارت مثل الحمأ المسنون ثم أرسل عليها الريح فجففها حتى صارت صلصالا كالفخار ثم قدر لها الأعضاء والمنافذ والأوصال والرطوبات وصورها فأبدع في تصويرها وأظهرها في أحسن الأشكال وفصلها أحسن تفصيل مع اتصال أجزائها وهيأ كل جزء منها لما يراد منه وقدَّره لما خلق له عن أبلغ الوجوه ففصَّلها في توصيلها وأبدع في تصويرها وتشكيلها ...
- ثم ذكر تناسل الخلق بالجماع وإنزال المني -. " التبيان في أقسام القرآن " (ص ٢٠٤) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد