هل يجوز الدعاء للمريض بطول العمر؟
[السُّؤَالُ]
ـ[والد زوجي مريض وزوجي يطلب مني أن أدعو لأبيه بطول العمر وأن يأخذ من عمره ويعطيه لأبيه. فقلت له: إن هذا لا يجوز أن يدعو الله الإطالة في عمر شخص فهل هذا صحيح؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا حرج في الدعاء بطول العمر، لكن الأولى أن يُقَيَّد ذلك بما ينفع المدعو له في دينه، فكم من طويل العمر لا يزداد بطوله إلا بعدا عن ربه.
وقد روى الترمذي (٢٣٢٩) وحسنه عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ رضي الله أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: (مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لأنس بن مالك رضي الله عنه بطول العمر.
فروى البخاري في "الأدب المفرد" (٦٥٣) باب من دعا بطول العمر، عن أنس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل علينا أهل البيت، فدخل يوما فدعا لنا فقالت أم سليم: خويدمك ألا تدعو له؟ قال: (اللهم أكثر ماله وولده وأطل حياته واغفر له) .
فدعا لي بثلاث، فدفنت مائة وثلاثة [يعني: من أولاده وأحفاده] ، وإن ثمرتي لتطعم في السنة مرتين، وطالت حياتي حتى استحييت من الناس، وأرجو المغفرة) صححه الألباني في "صحيح الأدب المفرد" وأصله في الصحيحين.
وذكر ابن القيم في "زاد المعاد" (٥/١٤٦) قول عمر لعلي رضي الله عنهما: "صدقتَ، أطال الله بقاءك"، وقال: "وبهذا احتجَّ من احتج على جواز الدعاء للرجل بطول البقاء" انتهى.
وروى البخاري في "الأدب المفرد" (١١١٢) عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه: أنه مر برجل هيئته هيئة مسلم، فسلم فرد عليه: وعليك ورحمة الله وبركاته. فقال له الغلام: إنه نصراني! فقام عقبة فتبعه حتى أدركه فقال: "إن رحمة الله وبركاته على المؤمنين، لكن أطال الله حياتك، وأكثر مالك، وولدك" حسنه الشيخ الألباني في "صحيح الأدب" (٨٥١) ، وقال: "في هذا الأثر إشارة من هذا الصحابي الجليل إلى جواز الدعاء بطول العمر، ولو للكافر، فللمسلم أولى" انتهى.
وقال ابن الهيتمي رحمه الله:
"يَجُوزُ الدُّعَاءُ بِطُولِ الْعُمُرِ كَمَا دَعَا بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَسٍ، وَقَيَّدَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ بِمَنْ فِي بَقَائِهِ نَفْعٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَيُنْدَبُ لَهُ الدُّعَاءُ حِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ نَفْعُهُ قَاصِرًا فَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ " انتهى.
"الفتاوى الفقهية الكبرى" (٨/٤٩) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله:
هل يجوز الدعاء بطول العمر؟ أم أن العمر مقدر ولا فائدة من الدعاء بطوله؟ .
فأجاب: "لا حرج في ذلك، والأفضل: أن يقيده بما ينفع المدعو له، مثل أن يقول: أطال الله عمرك في طاعة الله، أو في الخير، أو فيما يرضي الله " انتهى من مجموع فتاوى ابن باز (ج ٨ / ص ٤٢٥) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
"تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج، وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله فيقال: أطال الله بقاءك على طاعته. أو أطال الله عمرك على طاعته؛ لأن مجرد طول العُمر قد يكون خيراً وقد يكون شرّاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب" (٣/٤٥٣) .
أما طلب الزوج منك أن تسألي الله أن يأخذ من عمره ويعطيه لأبيه، فنرى أنه لا حاجة إلى ذلك، والله تعالى يفعل ما يشاء، وهو على كل شيء قدير، فهو سبحانه وتعالى قادر على أن يطيل عمر أبيه من غير أن يأخذ من عمره هو شيئاً.
وحيث إن والد زوجك مريض – نسأل الله له العافية – فالمستحب الدعاء له بما يشرع الدعاء به للمريض، مما ثبت في السنة، ومن ذلك:
- ما رواه أبو داود (٣١٠٧) عَنْ عبد الله بْنِ عَمْرٍو رضي الله نهما قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا جَاءَ الرَّجُلُ يَعُودُ مَرِيضًا فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ اشْفِ عَبْدَكَ يَنْكَأُ لَكَ عَدُوًّا أَوْ يَمْشِي لَكَ إِلَى جَنَازَةٍ) وفي لفظ: (إِلَى صَلَاةٍ) صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
- وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَتَى مَرِيضًا أَوْ أُتِيَ بِهِ قَالَ: (أَذْهِبْ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ وَأَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً، لَا يُغَادِرُ سَقَمًا) متفق عليه.
- وروى الترمذي (٢٠٨٣) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يَعُودُ مَرِيضًا لَمْ يَحْضُرْ أَجَلُهُ فَيَقُولُ سَبْعَ مَرَّاتٍ: أَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ رَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ أَنْ يَشْفِيَكَ. إِلَّا عُوفِيَ) وصححه الألباني في "صحيح الترمذي".
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب