الدعاء الذي أنقذ الصحابي من اللص، وفيه (يا ودود! يا ذا العرش المجيد!)
[السُّؤَالُ]
ـ[أود أن أتبين درجة هذه الأحاديث؛ لأنها تصلني على البريد الإلكتروني ولا أعلم صحتها: اقرأه ٣ مرات والله يستجيب بإذن الله: (يا ودود يا ودود، يا ذا العرش المجيد، يا مبدئ يا معيد، يا فعالا لما يريد، أسألك بنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك، وأسألك بقدرتك التي قدرت بها على جميع خلقك، وأسألك برحمتك التي وسعت كل شيء، لا إله إلا أنت، يا مغيث أغثني، ثلاث مرات) ]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
هذا الدعاء المذكور ورد في حديث له قصة مشهورة منتشرة في المنتديات، لعل من المناسب ذكرها حتى يتبين أمرها:
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: (كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يكنى (أبا معلق) ، وكان تاجراً يتجر بماله ولغيره يضرب به في الآفاق، وكان ناسكا ورعا، فخرج مرة فلقيه لص مقنع في السلاح، فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: ما تريد إلى دمي! شأنك بالمال، فقال: أما المال فلي، ولست أريد إلا دمك، قال: أمَّا إذا أبيت فذرني أصلي أربع ركعات؟ قال: صلِّ ما بدا لك، قال: فتوضأ ثم صلَّى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: (يا ودود! يا ذا العرش المجيد! يا فعَّال لما يريد! أسألك بعزك الذي لا يرام، وملكك الذي لا يضام، وبنورك الذي ملأ أركان عرشك، أن تكفيني شرَّ هذا اللص، يا مغيث أغثني! ثلاث مرار) قال: دعا بها ثلاث مرات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة واضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، قال: من أنت بأبي أنت وأمي فقد أغاثني الله بك اليوم؟ قال: أنا ملَكٌ من أهل السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول فسمعت لأبواب السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله.
قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أنه من توضأ وصلى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له مكروباً كان أو غير مكروب) .
أخرجه ابنُ أبي الدنيا في " مجابي الدعوة " (٦٤) و" الهواتف " (٢٤) ، ومن طريقهِ أخرجه اللالكائي في " شرح أصولِ الاعتقاد " (٥ / ١٦٦) وبوَّب عليه: " سياق ما روي من كراماتِ أبي معلق "، وأخرجه " أبو موسى المديني " – كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في " الإصابة " (٧ / ٣٧٩) في ترجمة " أبي معلق الأنصاري " ونقل عنه أنه أورده بتمامه في كتاب " الوظائف "، وكذا رواه عنه تلميذه ابن الأثير في " أسد الغابة " (٦ / ٢٩٥) -: جميعهم من طريق الكلبي يصله إلى أنس رضي الله عنه.
وقد اضطرب فيه الكلبي واختلفت الرواية عنه:
فمرة يرويه عن الحسن عن أنس – كما هي رواية ابن أبي الدنيا -.
ومرة يرويه عن الحسن عن أبي بن كعب – كما ذكر ذلك ابن حجر في الإصابة عن سند أبي موسى المديني -.
ومرة يرويه عن أبي صالح عن أنس – كما في رواية ابن الأثير عن أبي موسى المديني.
قال الشيخ الألباني - رحمه الله -:
وهذا إسناد مظلم ... الآفة إما من الكلبي المجهول، وإما ممن دونه، والحسن – وهو البصري – مدلس وقد عنعن، فالسند واهٍ.
فمن الغريب أن يُذكر (أبو معلق) هذا في الصحابة، ولم يذكروا ما يدل على صحبته سوى هذا المتن الموضوع بهذا الإسناد الواهي! ولذلك – والله أعلم – لم يورده ابن عبد البر في " الاستيعاب "، وقال الذهبي في " التجريد " (٢ / ٢٠٤) : له حديث عجيب، لكن في سنده الكلبي، وليس بثقة، وهو في كتاب " مجابو الدعوة "، ويلاحظ القراء أنه قال في الكلبي: " ليس بثقة "، وفي هذا إشارة منه إلى أنه لم يلتفت إلى قوله في الإسناد: " وليس بصاحب التفسير "؛ لأن الكلبي صاحب التفسير هو المعروف بأنه ليس بثقة، وقد قال في " المغني ": " تركوه، كذَّبه سليمان التيمي، وزائدة، وابن معين، وتركه ابن القطان، وعبد الرحمن ".
ومن الغرائب أيضاً: أن يَذكر هذه القصة ابن القيم في أول كتابه " الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي " من رواية ابن أبي الدنيا هذه، معلقا إياها على الحسن، ساكتاً عن إسنادها! .
" السلسلة الضعيفة " (٥٧٣٧)
قلت:
وللكلبي متابعة من قبل مالك بن دينار، فقد أخرج القشيري في " الرسالة القشيرية " (٢ / ٨٥، ٨٦ باب الدعاء) القصة بسياق مشابه فقال:
أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن بشران ببغداد قال: حدثنا أبو عمرو عثمان بن أحمد المعروف بابن السماك قال: أخبرنا محمد بن عبد ربه الحضرمي قال: أخبرنا بشر بن عبد الملك قال: حدثنا موسى بن الحجاج قال: قال مالك بن دينار: حدثنا الحسن عن أنس بن مالك رضي الله عنه ... فذكر الحديث.
لكنها متابعة غير صالحة، إذ في هذا السند علتان:
الأولى: محمد بن عبد ربه الحضرمي: لم أقف له على ترجمة.
الثانية: بشر بن عبد الملك الراوي عن موسى بن الحجاج: لم أعرفه أيضا، فكل مَن تُرجم لهم بهذا الاسم ثلاثة:
١. بشر بن عبد الملك الخزاعي مولاهم الموصلي، روى عن: غسان بن الربيع ومحمد بن سليمان لوين وجماعة، وروى عنه: الطبراني.
" تاريخ الإسلام " الذهبي (أحدا سنة ٣٠٠ هـ) .
٢. بشر بن عبد الملك، أبو يزيد الكوفى نزيل البصرة، روى عن: عون بن موسى، وعبد الله بن عبد الرحمن بن إبراهيم الأنصاري، كتب عنه: أبو حاتم بالبصرة، وروى عنه: أبو زرعة، وسئل عنه فقال: شيخ.
" الجرح والتعديل " لابن أبي حاتم (٢ / ٣٦٢) .
٣. بشر بن عبد الملك العتبي، يروى عن: يحيى بن سعيد الانصاري، روى عنه: أبو سعيد الأشج.
" الثقات " لابن حبان (٦ / ٩٧) .
وهم كما ترى لا يبدو أن أحداً منهم هو المذكور في الحديث.
إلا أن الحافظ ابن ماكولا في " الإكمال " (٥ / ١٠١) ذكر راوياً عن موسى بن الحجاج باسم (بشران بن عبد الملك) فقال:
وأما بشران: فهو بشران بن عبد الملك، أظنه موصليّاً، حدَّث عن موسى بن الحجاج بن عمران السمرقندى ببيسان عن مالك بن دينار.
انتهى.
فلعله هو المقصود، وتصحف اسمه في كتاب " القشيري " إلى " بشر ".
أما ابن السماك فهو ثقة، ترجمته في "سير أعلام النبلاء" للذهبي (١٧ / ٣١٢) .
وكذا مالك بن دينار (١٢٧ هـ) ترجمته في " تهذيب التهذيب " (١٠ / ١٥) .
والخلاصة:
أن القصة والدعاء لا يصحان بوجه من الوجوه، إلا أن جمل هذا الدعاء وعباراته ليس في شيء منها نكارة، بل كلماته صحيحة عظيمة تشهد لها نصوص من الكتاب والسنة، ولكن لا يعني ذلك لزوم نجاة من دعا بها، أو اعتقاد نصرة الله تعالى لمن ذكرها، فذلك متوقف على صحة السند به إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبما أن السند لم يصح: فلا ينبغي اعتقاد ذلك، ومن أحب أن يحفظ هذه الكلمات ويدعو بها دون أن ينسبها إلى الشرع: فلا حرج عليه إن شاء الله تعالى.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب