هل يجوز له فتح محل للعلاج بالرقية الشرعية والحجامة؟
[السُّؤَالُ]
ـ[أنا شاب مسلم من الداعين إلى منهج أهل السنة والجماعة بدأت منذ٣ سنوات أرقي الناس بالرقية الشرعية وفق الضوابط المرضية بصفة غير منتظمة مقابل بعض المال لأسد به بعض حاجاتي. فكتب الله لي القبول فشفى الله على يدي الكثير وهدى آخرين إلى جادة الصواب ووفقهم لتوحيده والبعد عن الشرك رغم ما لاقيته من بعض المشعوذين وبعض المغرضين المثبطين عن الرقية الشرعية والواصفين لها بالبدعة والكسب المحرم. فكثر علي الناس وأحرجوني لعدم وجود الرقاة المتفرغين لهذا الأمر , كل هذا وأنا أرقي الناس في بيتي المتواضع جدا مما سبب لي الإحراج والمشقة وآذوا أهلي بكثرة طرقهم على الباب وصرت أفوت وأفرط في مصالح واجبة من أجل رقيتهم لشدة حيائي منهم. ففكرت في تأجير محل معين لتخصيصه للرقية الشرعية والحجامة مقابل ما يعادل ٢٠ريالا مثلا لرقية الشخص الواحد وذلك لسد مستحقات الإيجار وبعض حاجاتي الضرورية. ففوجئت بالإنكار من بعض المسلمين المدعين للعلم على أن هذا التخصيص بدعة ولم يعرف عن سلف الأمة، والكسب بهذه الطريقة محرم. فهل يجوز فتح محل كعيادة للرقية الشرعية والحجامة بهذا التخصيص مقابل مبلغ من المال خاصة وأنا محتاج ومعسر وعلي مسؤولية من أعول وأعاني من مرض مزمن ولا أطيق الأعمال الشاقة وحاجة المسلمين لمن يتفرغ للرقية ويدعو إلى التوحيد وينهى عن الشرك ملحة؟ وفي حالة جواز العيادة القرآنية ووجدت بعدها عملا آخر: ١- هل أترك الرقية وأتحول إلى هذا العمل مع ما يترتب على هذا من مفاسد من الانقطاع عن العمل الصالح وإحداث فراغ كبير. ٢- هل أجمع بينهما وأحاول التوفيق بينهما دون أن يضر أحدهما بالآخر. ٣- هل أرفض العمل وأكتفي بالرقية لنفعها المتعدي ورعاية لمصالح المسلمين. وفي حالة عدم جواز العيادة القرآنية: ١- هل أتوقف عن الرقية نهائيا؟ ٢- هل أبقى أرقي في بيتي أحسن وأتجنب هذا التخصيص وأصبر على أذى الناس وإحراجهم؟]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
إذا كان الواقع كما ذكرت من أنك ترقي بالرقية الشرعية، مع حاجة الناس إليها، فنسأل الله لك الأجر والمثوبة والتوفيق والسداد. ولا حرج عليك في أخذ أجرة مقابل ذلك.
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله: نسمع عن بعض المعالجين بالقرآن، يقرؤون قرآنا وأدعية شرعية على ماء أو زيت طيب لعلاج السحر، والعين والمس الشيطاني، ويأخذون على ذلك أجرا، فهل هذا جائز شرعا؟ وهل القراءة على الزيت أو الماء تأخذ حكم قراءة المعالج على المريض نفسه؟
فأجاب:
" لا حرج في أخذ الأجرة على رقية المريض، لما ثبت في الصحيحين (أن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم وفدوا على حي من العرب فلم يقروهم (أي: لم يضيفوهم) ولدغ سيدهم وفعلوا كل شيء؛ لا ينفعه , فأتوا الوفد من الصحابة رضي الله عنهم فقالوا لهم: هل فيكم من راق فإن سيدنا قد لدغ؟ فقالوا: نعم , ولكنكم لم تقرونا فلا نرقيه إلا بجُعْلٍ (أي: أجرة) فاتفقوا معهم على قطيع من الغنم , فرقاه أحد الصحابة بفاتحة الكتاب فشفي فأعطوهم ما جعل لهم فقال الصحابة فيما بينهم: لن نفعل شيئا حتى نخبر النبي صلى الله عليه وسلم فلما قدموا المدينة أخبروه صلى الله عليه وسلم بذلك فقال: قد أصبتم) رواه البخاري (٢١١٥) ، ومسلم (٤٠٨٠) .
ولا حرج في القراءة في الماء والزيت في علاج المريض والمسحور والمجنون، ولكن القراءة على المريض بالنفث عليه أولى وأفضل وأكمل، وقد خرج أبو داود رحمه الله بإسناد حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ لثابت بن قيس بن شماس في ماء وصبه عليه. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا) مسلم (٤٠٧٩) وهذا الحديث الصحيح يعم الرقية للمريض على نفسه وفي الماء والزيت ونحوهما، والله ولي التوفيق " انتهى.
"مجموع فتاوى ابن باز" (١٩/٣٣٨) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة: عن رجل يرقي الناس بأجرة ولا يعرف إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم , ويرجع في ذلك إلى كتب أهل العلم الموثوقين؟
فأجابوا:
" إذا كان الواقع منك كما ذكرت أنك تعالج المرضى بالرقية الشرعية , وأنك لم ترق أحدا إلا بما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنك تتحرى الرجوع في ذل إلى ما ذكره العلامة ابن تيمية رحمه الله في كتبه المعروفة، وما كتبه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله في "زاد المعاد" وأمثالهما من كتب أهل السنة والجماعة فعملك جائز، وسعيك مشكور ومأجور عليه إن شاء الله، ولا بأس بأخذك أجرا عليه؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه الذي أشرت إليه في سؤالك " انتهى.
وحديث أبي سعدي هو الحديث المتقدم في رقية الرجل الذي لدغ بالفاتحة.
وحيث جازت الرقية، وجاز أخذ الأجر عليها، فلا فرق بين أن يكون ذلك في البيت، أو في محل مستأجر، أو في دار خاصة، دفعا للحرج والمشقة عن أهل المنزل. ولا وجه لمن منع ذلك بحجة أنه لم يعرف عن السلف التكسب بهذه الطريقة، فإنه إذا ثبت أن العمل مباح، وأن الأجرة عليه جائزة، كان القول بتحريم هذه المهنة قولا بغير علم.
وقد قال البخاري في "صحيحه" في كتاب الإجارة: " باب ما يعطى في الرقية على أحياء العرب بفاتحة الكتاب. وقال ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم: (أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) " انتهى.
ثانيا:
سبق في جواب السؤال (٧١٣٠٣) بيان اختلاف العلماء في حكم أخذ الأجرة على الحجامة، وأن الصحيح أنها جائزة وليست حراماً، وإنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم على سبيل الكراهة لا التحريم.
ثالثا:
لا حرج عليك في فتح عيادة خاصة للعلاج بالرقية والحجامة، كما سبق. وفي حال حصولك على عمل آخر، لا يلزمك ترك الرقية، ولك أن تجمع بين العملين بما تراه مناسبا، من غير أن تضر بنفسك أو بأهلك.
وحيث إن الاشتغال برقية المرضى مدخل صالح لدعوتهم ونصحهم وتوجيههم للخير –كما ذكرت-، فلا ينبغي أن تترك هذا العمل، ولو توفر لك عمل آخر، فإن هذا من النفع والإحسان المتعدي للآخرين.
وينبغي أن يكون المعالج مراقبا لله تعالى، متقيا له في السر والعلن، سهلا سمحا مع الناس لا يشق عليهم في أجرة أو ثمن دواء، مذكرا لهم بأن الشفاء بيد الله تعالى وحده، ناصحا لهم بالتوبة إلى الله وترك الذنوب التي هي سبب كثير من الآفات والابتلاءات.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب