مذهب الجمهور في مسألة إسبال الثياب
[السُّؤَالُ]
ـ[سمعت أن مذهب الجمهور على الكراهة في إسبال الثياب، بسبب فعل أبي بكر رضي الله عنه، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر: لست منهم. أي ممن يفعل ذلك خيلاء.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
إذا أسبل الرجل ثيابه إلى ما تحت الكعبين بقصد الكبر والخيلاء فهذا محرم من غير خلاف بين العلماء، بل هو من كبائر الذنوب.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (٧٦٢) ذكر بعض الأحاديث الواردة في تحريم ذلك.
وأما إسبال الثياب بدون قصد الكبر والخيلاء، فهذا قد اختلف العلماء في حكمه على ثلاثة أقوال: التحريم، والكراهة، والجواز بلا كراهة.
وجمهور العلماء من المذاهب الأربعة على عدم التحريم، وهذه بعض أقوال علماء المذاهب في ذلك:
ذكر ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (٣/٥٢١)
" أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ارْتَدَى بِرِدَاءٍ ثَمِينٍ وَكَانَ يَجُرُّهُ عَلَى الْأَرْضِ، فَقِيلَ لَهُ: أَوَلَسْنَا نُهِينَا عَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: إنَّمَا ذَلِكَ لِذَوِي الْخُيَلَاءِ وَلَسْنَا مِنْهُمْ " انتهى.
وانظر "الفتاوى الهندية" (٥/٣٣٣) .
وأما المالكية: فذهب بعضهم إلى التحريم كابن العربي والقرافي.
قال ابن العربي في "عارضة الأحوذي" (٧/٢٣٨) :
" لا يجوز لرجل أن يجاوز بثوبه كعبه ويقول: لا أتكبر فيه؛ لأن النهي تناوله لفظاً، وتناول علته، ولا يجوز أن يتناول اللفظ حكماً فيقال إني لست ممن يمتثله لأن العلة ليست فيَّ، فإنه مخالفة للشريعة، ودعوى لا تسلم له، بل مِن تكبره يطيل ثوبه وإزاره فكذبه معلوم في ذلك قطعًا " انتهى.
وذهب آخرون منهم إلى الحكم بالكراهة وليس التحريم.
قال الحافظ ابن عبد البر في "التمهيد" (٣/٢٤٤) :
" وهذا الحديث يدل على أن من جر إزاره من غير خيلاء ولا بطر أنه لا يلحقه الوعيد المذكور، غير أن جر الإزار والقميص وسائر الثياب مذموم على كل حال " انتهى.
وجاء في "حاشية العدوي" (٢/٤٥٣) :
" َالْحَاصِلُ أَنَّ النُّصُوصَ مُتَعَارِضَةٌ فِيمَا إذَا نَزَلَ عَنْ الْكَعْبَيْنِ بِدُونِ قَصْدِ الْكِبْرِ: فَمُفَادُ "الْحَطَّابِ" – من علماء المالكية - أَنَّهُ لَا حُرْمَةَ بَلْ يُكْرَهُ، ومُفَادُ "الذَّخِيرَةِ" – كتاب للإمام القرافي -: الْحُرْمَةُ.
وَالظَّاهِرُ: أَنَّ الَّذِي يَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إلَيْهِ الْكَرَاهَةُ الشَّدِيدَةُ " انتهى.
وأما الشافعية: فصرحوا بأنه لا حرمة إلا بقصد الخيلاء.
قال الإمام الشافعي رحمه الله – كما نقله عنه النووي في "المجموع" (٣/١٧٧) : " لا يجوز السدل في الصلاة ولا في غيرها للخيلاء، فأما السدل لغير الخيلاء في الصلاة فهو خفيف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضى الله عنه وقال له: إن إزاري يسقط من أحد شقي. فقال له: (لست منهم) " انتهى.
وقال النووي في "شرح مسلم" (١٤/٦٢) :
" لا يجوز إسباله تحت الكعبين إن كان للخيلاء، فإن كان لغيرها فهو مكروه، وظواهر الأحاديث فى تقييدها بالجر خيلاء تدل على أن التحريم مخصوص بالخيلاء، وهكذا نص الشافعى على الفرق " انتهى.
واختار بعض الشافعية – كالذهبي والحافظ ابن حجر – القول بالتحريم.
قال الذهبي في " سير أعلام النبلاء" (٣/٢٣٤) : رداً على من يسبل إزاره ويقول لا أفعل ذلك خيلاء. قال:
" فتراه يكابر ويبرِّء نفسه الحمقاء، ويعمد إلى نص مستقل عام، فيخصه بحديث آخر مستقل بمعنى الخيلاء!
ويترخّص بقول الصديق: إنه يا رسول الله! يسترخي إزاري، فقال: (لست يا أبا بكر ممن يفعله خيلاء) !
فقلنا: أبو بكر رضي الله عنه لم يكن يشد إزاره مسدولا على كعبيه أولا، بل كان يشده فوق الكعب، ثم فيما بعد يسترخي.
وقد قال عليه السلام: (إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، لا جناح عليه فيما بين ذلك وبين الكعبين) ، فمثل هذا في النهي من فصّل سراويل مغطيا لكعابه، ومنه طول الاكمام زائدا، وكل هذا من خيلاء كامن في النفوس " انتهى.
وأما الحنابلة: فقد نصوا على عدم التحريم.
قال في: "الإقناع" (١/١٣٩) :
" ويكره أن يكون ثوب الرجل تحت كعبه بلا حاجة " انتهى باختصار.
وقال ابن قدامة في: "المغني" (٢/٢٩٨) : " ويكره إسبال القميص والإزار والسراويل؛ فإن فعل ذلك على وجه الخيلاء حَرُم " انتهى.
وقال ابن مفلح "الآداب الشرعية" (٣/٥٢١) :
" وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ رَحِمَهُ اللَّهُ (ابن تيمية) عَدَمَ تَحْرِيمِهِ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِكَرَاهَةٍ وَلَا عَدَمِهَا " انتهى.
وانظر: " شرح العمدة" لشيخ الإسلام ابن تيمية ص (٣٦١-٣٦٢) .
وقد اختار الصنعاني رحمه الله التحريم، وكتب في ذلك كتاباً سماه "استيفاء الأقوال في تحريم الإسبال على الرجال".
والقول بالتحريم هو اختيار أكثر علمائنا المعاصرين: كالشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين والشيخ ابن جبرين والشيخ صالح الفوزان وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء وغيرهم.
ولمعرفة الموقف من المسائل الاجتهادية راجع جواب السؤال رقم (٧٠٤٩١)
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب