ما الحكمة من تحريم الصوم على الحائض؟
[السُّؤَالُ]
ـ[نريد أن نعرف الحكمة من عدم صيام المرأة مع أن الصيام لا دخل له بالنجاسة.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
يجب على المؤمن التسليم لحكم الله تعالى والانقياد له ولو لم يعرف الحكمة منه، بل يكفيه أنه أمر الله ورسوله، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) الأحزاب/٣٦. وقال: (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) النور/٥١.
ثانياً:
يوقن المؤمن ويؤمن إيماناً جازماً أن الله تعالى حكيم، فلا يشرع شيئاً إلا لحكمة بالغة، فلا يأمر بشيء إلا لما فيه من المصلحة الخالصة أو الغالبة، ولا ينهى عن شيء إلا لما فيه من المفسدة الخالصة أو الغالبة، وما أحسنَ ما قاله ابن كثير رحمه الله في "البداية النهاية" (٦/٧٩) :
"وجاءت شريعته (صلى الله عليه وسلم) أكمل شريعة، لم يبق معروف تعرف العقول أنه معروف إلا أمر به، ولا منكر تعرف العقول أنه منكر إلا نهى عنه، لم يأمر بشيء فقيل: ليته لم يأمر به، ولا نهى عن شيء فقيل: ليته لم ينه عنه" اهـ.
لكن هذه الحكمة قد نعلمها، وقد تخفى علينا، وقد يخفى علينا أكثرها أو بعضها.
ثالثاً:
أجمع العلماء على تحريم الصوم على الحائض، وأنها يلزمها قضاء ما أفطرته بسبب الحيض إذا كان الصوم واجبا كصيام رمضان.
وأجمعوا أيضا على أنها إذا صامت لم يصح صومها. انظر السؤال رقم (٥٠٢٨٢) .
واختلف العلماء في الحكمة من عدم صحة الصوم من الحائض.
فقال بعضهم: الحكمة غير معلومة لنا.
قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ: "وَكَوْنُ الصَّوْمِ لا يَصِحُّ مِنْهَا لا يُدْرَكُ مَعْنَاهُ , فَإِنَّ الطَّهَارَةَ لَيْسَتْ مَشْرُوطَةً فِيهَا" اهـ من "المجموع" (٢/٣٨٦) .
وقال آخرون: بل الحكمة أن الله تعالى نهى الحائض عن الصيام وقت الحيض رحمةً بها، لأن خروج الدم يضعفها، فإذا صامت وهي حائض اجتمع عليها الضعف بسبب الحيض وبسبب الصيام، فيخرج الصوم بذلك عن حد الاعتدال، وقد يصل إلى حد الإضرار.
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (٢٥/٢٣٤) :
" فَنَذْكُرُ حِكْمَةَ الْحَيْضِ وَجَرَيَانَ ذَلِكَ عَلَى وَفْقِ الْقِيَاسِ فَنَقُولُ:
إنَّ الشَّرْعَ جَاءَ بِالْعَدْلِ فِي كُلِّ شَيْءٍ. وَالإِسْرَافُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ الْجَوْرِ الَّذِي نَهَى عَنْهُ الشَّارِعُ وَأَمَرَ بِالاقْتِصَادِ فِي الْعِبَادَاتِ ; وَلِهَذَا أَمَرَ بِتَعْجِيلِ الْفِطْرِ وَتَأْخِيرِ السُّحُورِ وَنَهَى عَنْ الْوِصَالِ وَقَالَ: (أَفْضَلُ الصِّيَامِ وَأَعْدَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ داود عليه السلام كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا وَلا يَفِرُّ إذَا لاقَى) فَالْعَدْلُ فِي الْعِبَادَاتِ مِنْ أَكْبَرِ مَقَاصِدِ الشَّارِعِ ; وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ) المائدة/٨٧. فَجَعَلَ تَحْرِيمَ الْحَلالِ مِنْ الاعْتِدَاءِ الْمُخَالِفِ لِلْعَدْلِ وَقَالَ تَعَالَى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا * وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ) فَلَمَّا كَانُوا ظَالِمِينَ عُوقِبُوا بِأَنْ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الطَّيِّبَاتُ ; بِخِلَافِ الأُمَّةِ الْوَسَطِ الْعَدْلِ فَإِنَّهُ أَحَلَّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالصَّائِمُ قَدْ نُهِيَ عَنْ أَخْذِ مَا يُقَوِّيهِ وَيُغَذِّيهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، ونُهِيَ عَنْ إخْرَاجِ مَا يُضْعِفُهُ وَيُخْرِجُ مَادَّتَهُ الَّتِي بِهَا يَتَغَذَّى وَإِلا فَإِذَا مُكِّنَ مِنْ هَذَا ضَرَّهُ وَكَانَ مُتَعَدِّيًا فِي عِبَادَتِهِ لا عَادِلا. . .
وَالْخَارِجَاتُ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَخْرُجُ لا يَقْدِرُ عَلَى الاحْتِرَازِ مِنْهُ أَوْ عَلَى وَجْهٍ لا يَضُرُّهُ فَهَذَا لا يُمْنَعُ مِنْهُ كَالأَخْبَثَيْنِ (البول والغائط) فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ وَلا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ أَيْضًا. وَلَوْ اسْتَدْعَى خُرُوجَهُمَا فَإِنَّ خُرُوجَهُمَا لا يَضُرُّهُ بَلْ يَنْفَعُهُ. وَكَذَلِكَ إذَا ذَرَعَهُ الْقَيْءُ (أي غلبه) لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ وَكَذَلِكَ الاحْتِلامُ فِي الْمَنَامِ لا يُمْكِنُهُ الاحْتِرَازُ مِنْهُ، وَأَمَّا إذَا استقاء فَالْقَيْءُ يُخْرِجُ مَا يَتَغَذَّى بِهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ. . وَكَذَلِكَ الاسْتِمْنَاءُ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ الشَّهْوَةِ. . وَالدَّمُ الَّذِي يَخْرُجُ بِالْحَيْضِ فِيهِ خُرُوجُ الدَّمِ، وَالْحَائِضُ يُمْكِنُهَا أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الدَّمِ فِي حَالٍ لا يَخْرُجُ فِيهَا دَمُهَا فَكَانَ صَوْمُهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ صَوْمًا مُعْتَدِلا لا يَخْرُجُ فِيهِ الدَّمُ الَّذِي يُقَوِّي الْبَدَنَ الَّذِي هُوَ مَادَّتُهُ وَصَوْمُهَا فِي الْحَيْضِ يُوجِبُ أَنْ يَخْرُجَ فِيهِ دَمُهَا الَّذِي هُوَ مَادَّتُهَا وَيُوجِبُ نُقْصَانَ بَدَنِهَا وَضِعْفَهَا وَخُرُوجَ صَوْمِهَا عَنْ الاعْتِدَالِ فَأُمِرَتْ أَنْ تَصُومَ فِي غَيْرِ أَوْقَاتِ الْحَيْضِ" اهـ باختصار.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب