للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:
مسار الصفحة الحالية:

تلقين المحتضر

[السُّؤَالُ]

ـ[ما المراد بتلقين الميت: "لا إله إلا الله" في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) ؟.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

التلقين هو التعليم والتفهيم؛ والمراد بتلقين الميت أن يكون عنده من يذكره بالنطق بـ (لا إله إلا الله) ، كما لو كان يُعَلِّم صبيا ويلقنه، والمراد بالميت هنا: المحتضَر الذي نزل به الموت.

وإنما استُحِب تلقين الميت كلمة الإخلاص في هذه الحال، لأجل أن يختم له بها، وتكون آخر ما نطق به من الكلام، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم به؛ فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ رضي الله عنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَقِّنُوا مَوْتَاكُمْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) رواه مسلم ٩١٦.

وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (مَنْ كَانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) رواه أحمد (٢١٥٢٩) وأبو داود (٣١١٦) وحسنه الألباني في "إرواء الغليل" (٦٨٧) .

وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الأَنْصَارِ فَقَالَ: (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ. قَالَ: خَالٌ أَمْ عَمٌّ؟! قَالَ: بَلْ خَالٌ. قَالَ: وَخَيْرٌ لِي أَنْ أَقُولَهَا؟! قَالَ: نَعَمْ) رواه أحمد (١٣٤١٤) وقال الألباني في أحكام الجنائز: إسناده صحيح على شرط مسلم.

ولا ينبغي إيذاء المحتضر بالإكثار عليه في التلقين، إذا قالها ولم يتكلم بعدها بشيء

قال النووي:

" وَكَرِهُوا الإِكْثَار عَلَيْهِ وَالْمُوَالاة لِئَلا يَضْجَر بِضِيقِ حَاله وَشِدَّة كَرْبه، فَيَكْرَه ذَلِكَ بِقَلْبِهِ , وَيَتَكَلَّم بِمَا لا يَلِيق. قَالُوا: وَإِذَا قَالَهُ مَرَّة لا يُكَرِّر عَلَيْهِ إِلا أَنْ يَتَكَلَّم بَعْده بِكَلامٍ آخَر , فَيُعَاد التَّعْرِيض بِهِ لِيَكُونَ آخِر كَلَامه " انتهى.

ولَمَّا احْتُضِرَ عبد الله بْنُ المُبَارَكِ رحمه الله، جَعَلَ رَجُلٌ يُلَقِّنُهُ، قُلْ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ. فَأَكْثَرَ عَلَيْهِ.

فَقَالَ لَهُ: لَسْتَ تُحْسِنُ! وَأَخَافُ أَنْ تُؤْذِيَ مُسْلِماً بَعْدِي، إِذَا لَقَّنْتَنِي، فَقُلْتُ: لَا إِلَهَ إِلَاّ اللهُ، ثُمَّ لَمْ أُحْدِثْ كَلَاماً بَعْدَهَا، فَدَعْنِي، فَإِذَا أَحْدَثْتُ كَلَاماً، فَلَقِّنِّي حَتَّى تَكُوْنَ آخِرَ كَلَامِي.

"سير أعلام النبلاء" (٨/٤١٨) .

ويشرع هذا التلقين، ولو كان الميت كافرا، لأنه لو قالها قبل النزع نفعه قوله، ولو عذب ما عذب بذنوبه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله؛ فإنه من كان آخر كلامه لا إله إلا الله عند الموت دخل الجنة يوما من الدهر، وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه) رواه ابن حبان وصححه الألباني في صحيح الجامع (٥١٥٠) .

ومما يدل على أن الأمر بالتلقين يعم الكافر، فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع عمه أبي طالب، ومع الغلام اليهودي الذي كان يخدمه.

فقد حضر النبي صلى الله عليه وسلم موت عمه أبي طالب، وقال له: (أَيْ عَمِّ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ) رواه البخاري (٣٨٨٤) ومسلم (٢٤) .

وحضر النبي صلى الله عليه وسلم موت الغلام اليهودي الذي كان يخدمه، وقال له: (أَسْلِمْ - وفي رواية أحمد (١٢٣٨١) : قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ -) رواه البخاري (١٣٥٦) .

فائدتان عن الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

أولا: هل يكون التلقين بلفظ الأمر؛ بمعنى أن الملقن يأمر المحتضر، فيقول له: قل: لا إله إلا الله، أو يتلفظ بها أمامه بحيث يتذكرها إذا سمع من يقولها بجانبه؟

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:

" ينبغي في هذا أن ينظر إلى حال المريض، فإن كان المريض قوياً يتحمل، أو كان كافراً فإنه يؤمر، فيقال: قل: لا إله إلا الله، اختم حياتك بلا إله إلا الله، وما أشبه ذلك.

وإن كان مسلماً ضعيفاً فإنه لا يؤمر، وإنما يذكر الله عنده حتى يسمع فيتذكر، وهذا التفصيل مأخوذ من الأثر، والنظر.

أما الأثر فلأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمه أبا طالب عند وفاته أن يقول: لا إله إلا الله، قال: يا عم قل: لا إله إلا الله.

وأما النظر: فلأنه إن قالها فهو خير، وإن لم يقلها فهو كافر، فلو فرض أنه ضاق صدره بهذا الأمر ولم يقلها فهو باق على حاله لم يؤثر عليه شيئاً، وكذا إذا كان مسلماً وهو ممن يتحمل فإن أمرناه بها لا يؤثر عليه، وإن كان ضعيفاً فإن أمرناه بها ربما يحصل به رد فعل بحيث يضيق صدره، ويغضب فينكر وهو في حال فِراق الدنيا، فبعض الناس في حال الصحة إذا قلت له قل: لا إله إلا الله، قال: لن أقول: لا إله إلا الله، فعند الغضب يغضب بعض الناس حتى ينسى، فيقول: لا أقول: لا إله إلا الله، فما بالك بهذه الحال؟

ثانيا: " تلقينه لا إله إلا الله" ولم نقل: محمد رسول الله؛ لأن هذا هو الذي ورد فيه الحديث: "لقّنوا موتاكم لا إله إلا الله وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة". فكلمة التوحيد مفتاح الإِسلام، وما يأتي بعدها فهو من مكملاتها وفروعها.

ولو جمع بين الشهادتين؛ فقال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، لا يمنع هذا من أن يكون آخر كلامه من الدنيا "لا إله إلا الله"؛ لأن الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة تابع لما قبلها ومتممٌ له، ولهذا جعلها النبي صلى الله عليه وسلم مع الشهادة لله بالألوهية ركناً واحداً، فلا يعاد تلقينه، وظاهر الأدلة أنه لا يكفي قول المحتضَر: أشهد أن محمداً رسول الله، بل لا بد أن يقول: لا إله إلا الله " انتهى من "الشرح الممتع" (٥/١٧٧) .

وقد يستدل على أمر المسلم بها إذا كان قوي الإيمان بحديث الأنصاري المتقدم وفيه أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له بقول لا إله إلا الله (يَا خَالُ، قُلْ: لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ) .

وكذلك قول الطبيب لعمر بن الخطاب بعدما سقاه اللبن: (فَخَرَجَ اللَّبَنُ مِنْ الطَّعْنَةِ صَلْدًا أَبْيَضَ، فَقَالَ لَهُ الطَّبِيبُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اعْهَدْ! فَقَالَ عُمَرُ: صَدَقَنِي، وَلَوْ قُلْتَ غَيْرَ ذَلِكَ كَذَّبْتُكَ، فَبَكَى عَلَيْهِ الْقَوْمُ حِينَ سَمِعُوا ذَلِكَ، فَقَالَ: لا تَبْكُوا عَلَيْنَا، مَنْ كَانَ بَاكِيًا فَلْيَخْرُجْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يُعَذَّبُ الْمَيِّتُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ) .

رواه أحمد (٢٩٦) . قال أحمد شاكر: إسناده صحيح.

فواجهه بهذا الأمر.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>