تحمَّل المسئولية فأصيب بالقلق والاكتئاب
[السُّؤَالُ]
ـ[أولاً أنا شاب أبلغ من العمر ٢٠ سنة، أدرس في كلية الطب، توفي والدي في الفترة الأخيرة، وأصبح جُلّ المسؤوليات على عاتقي، علماً بأن لي أخاً أكبر مني لكنه عاجز، أصبت قبل أيام بحالات اضطراب نفسي، وأصبحت أخاف من المرض والموت وتأتيني حالات بأني سأموت اليوم وما شابه ذلك من الأفكار الغريبة، ذهبت إلى دكتور نفسي وقال لي: إنك تعانى من القلق والاكتئاب، أعطاني دواء ولكن لم آخذه.
التزمت - والحمد لله - والتجأت إلى الله عز وجل، والحمد لله أنا الآن أحسن بكثير مع قراء ة القرآن والصلاة في المسجد، سؤالي هو: هل حالتي تتطلب الدواء أو لا؟ وهل هذا من الشيطان أم مرض عضوي؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا غنى للمؤمن عن ربه عز وجل، فهو – عز وجل – الذي يجلب النفع ويدفع الضر، فلجوؤك إلى الله عز وجل هو الفعل الصحيح.
الموت حق، وقد كتبه الله تعالى على كل نفسٍ، كما قال عز وجل: (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) آل عمران/١٨٥، ومهما بذل الإنسان من أسباب فإنها لن تدفع عنه قدر الله عز وجل وقضاءه ومنه الموت.
لا ينبغي للخوف أن يصد العبدَ عن الطاعة بل العكس هو الصواب، فالخوف هو الذي يقوده للطاعة ويحثه على العبادة، والخوف – كما يقول ابن قدامة – " سوط الله تعالى يسوق به عباده إلى المواظبة على العلم والعمل، لينالوا بهما رتبة القرب من الله تعالى ".
وقد يؤدي الخوف بصاحبه إلى همٍّ وغمٍّ ومرض، وقد يؤدي به إلى اليأس من رحمة الله تعالى، وهنا يكون خوفه غير محمود بل مذموم.
وينبغي أن يُعلم أن كثيراً من الهموم والضغوط النفسية سببها عدم الرضا، فقد لا نحصل على ما نريد، وحتى لو حصلنا على ما نريد فقد لا يعطينا ذلك الرضا التام الذي كنا نأمله، فالصورة التي كنا نتخيلها قبل الإنجاز كانت أبهى من الواقع.
وحتى بعد حصولنا على ما نريد فإننا نظل نعاني من قلق وشدة خوفا من زوال النعم، فلا علاج لهذا إلا بالرضا بقدر الله تعالى والشكر على نعمه والصبر على ما يقدره الله تعالى من الشدائد والمصائب
وقد تكون حالتك بحاجة لطبيب، لكن لتعلم أن أكثر أمراض الناس ليست أمراضاً عضوية بل هي نفسية تؤثر على الأعضاء.
يقول الدكتور الفاريز: لقد اتضح أن أربعة من كل خمسة مرضى ليس لعلتهم أساس عضوي البتة، بل مرضهم ناشئ من الخوف، والقلق، والبغضاء والأثرة المستحكمة، وعجز الشخص عن الملاءمة بين نفسه والحياة ".
فانظر كيف أن بكاء يعقوب عليه السلام على ابنه يوسف عليه السلام أفقده بصره، وكيف أن الغم بلغ مداه بعائشة رضي الله عنه عندما تطاول عليها أهل الإفك فظلت تبكي حتى قالت: " ظننت أن الحزن فالق كبدي " متفق عليه.
قال الدكتور حسَّان شمسي باشا:
وفي حالات القلق يزداد إفراز مادة في الدم تدعى " الأدرينالين "، فيرتفع ضغط الدم، ويتسرع القلب، ويشكو الإنسان من الخفقان، أو يشعر وكأن شيئا ينسحب إلى الأسفل داخل صدره.
ويظن بقلبه الظنون، ويهرع من طبيب إلى طبيب، وما به من علة في قلبه، ولا مرض في جسده إلا أنه يظل يشكو من ألم في معدته واضطراب في هضمه، أو انتفاخ في بطنه، واضطراب في بوله أو صداع في رأسه. اهـ
انتهى
فعليك بالإيمان والتقوى والمحافظة على الأذكار والأوراد الشرعيَّة فهي من أعظم أنواع العلاجات لإزالة ما يتكدر به الخاطر، وما تحزن من أجله النفوس.
ومن الأدعية النبوية في هذا الباب:
١. عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: " اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضَلَع الدين وغلبة الرجال ".
رواه البخاري (٦٠٠٨) .
ضَلع الدَّين: غلبته وثقله.
٢. عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أصاب أحداً قط همٌّ ولا حزنٌ فقال: اللهم إني عبدك وابن عبدك وابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فيَّ حكمك عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو علمته أحداً من خلقك أو أنزلته في كتابك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي: إلا أذهب الله همَّه وحزنه، وأبدله مكانه فرجاً.
قال: فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها؟ فقال: بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
رواه أحمد (٣٧٠٤) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " (١٩٩) .
٣. عن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دعوة ذي النون إذ دعا وهو في بطن الحوت " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " فإنه لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له.
رواه الترمذي (٣٥٠٥) .
والحديث: صححه الشيخ الألباني في " صحيح الجامع " (٣٣٨٣) .
ومن المهم الرجوع إلى جواب السؤال: (٢١٦٧٧) و (٣٢٤٥٧) .
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب