للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

متى تبدأ مدة المسح على الخفين أو الجوربين؟

[السُّؤَالُ]

ـ[متى تبدأ مدة المسح؟ .]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

"للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان:

الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس.

والآخر: من المسح بعد الحدث.

وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم، ولا نعلم لهم دليلا يستحق الذكر إلا مجرد الرأي، ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي، ولا علمت لهم سلفا من الصحابة، بخلاف القول الثاني فإمامهم الأحاديث الصحيحة، وفتوى عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

أما السنة فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالمسح) وفي بعضها: (رخص في المسح) وفي غيرها: (جعل المسح للمقيم يوما وليلة، وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن) ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح، وهو كالنص أيضاً على رد القول الأول، لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع: أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر فليس له المسح بعدها، فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوما وليلة؟ أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث، بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة أيام إن كان مسافراً انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة.

فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة. بناء على هذا الرأي المخالف للسنة، ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه لقوة الدليل، فقال رحمه الله تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (١/٤٨٧) :

(وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث، وهو رواية عن أحمد وداود، وهو المختار الراجح دليلاً، واختاره ابن المنذر، وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتدائها من اللبس واحتج القائلون من حين المسح بقوله صلى الله عليه وسلم: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)

وهي أحاديث صحاح كما سبق، وهذا تصريح بأنه يمسح ثلاثة، ولا يكون ذلك إلا إذا كانت المدة من المسح، ولأن الشافعي رضي الله عنه قال: إذا أحدث في الحضر ومسح في السفر أتم مسح مسافر، فعلق الحكم بالمسح. واحتج أصحابنا برواية رواها الحافظ القاسم بن زكريا المطرزي في حديث صفوان: (من الحدث إلى الحدث) وهي زيادة غريبة ليست ثابتة وبالقياس. . .) .

قلت (الألباني) : إن القياس المشار إليه لو كان مسلما بصحته في نفسه فشرط قبوله والاحتجاج به إنما هو إذا لم يخالف السنة، أما وهو مخالف لها كما رأيت فلا يجوز الالتفات إليه، ولذلك قيل: إذا ورد الأثر بطل النظر. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. فيكف وهو مخالف أيضا لقول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب، وعهدي بالمقلدين أن يدعوا الأخذ بالسنة الصحيحة حين تخالف قوله رضي الله عنه، كما فعلوا في الطلاق الثلاث، فكيف لا يأخذون به حين وافق السنة؟ فقد روى عبد الرزاق في (المصنف) (١/٢٠٩/٨٠٧) عن أبي عثمان النهدي قال: (حضرت سعدا وابن عمر يختصمان إلى عمر في المسح على الخفين فقال عمر: يمسح عليهما مثل ساعته من يومه وليلته) .

قلت: وإسناده صحيح على شرط الشيخين، وهو صريح في أن المسح يبتدئ من ساعة إجرائه على الخف إلى مثلها من اليوم والليلة، وهو ظاهر كل الآثار المروية عن الصحابة في مدة المسح فيما علمنا، مما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة في (المصنف) وعلى سبيل المثال أذكر ما رواه ابن أبي شيبة (١/١٨٠) عن عمرو بن الحارث قال:

(خرجت مع عبد الله إلى المدائن فمسح على الخفين ثلاثا لا ينزعهما) . وإسناده صحيح على شرط الشيخين.

فقد اتفقت الآثار السلفية مع السنة المحمدية على ما ذكرنا، فتمسك بها تكن بإذن الله مهديا" انتهى.

"رسالة تمام النصح في أحكام المسح" للشيخ الألباني رحمه الله. ص (٨٩، ٩٢) .

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>