للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يسقط وجود جائع واحد في المسلمين حق الملكية الفردية؟

[السُّؤَالُ]

ـ[ (أيما أهل عرصة - منطقة أو حي سكن - أصبح فيهم امرؤ جائعاً، فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله) ثم هذا الحديث الخطير في مدلوله: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) ويعلق الدكتور علي البارودي على هذا الحديث في كتابه " دروس في الاشتراكية العربية " بقوله: " إنه ما دام في المجتمع جائع واحد أو عارٍ واحد فإن حق الملكية لأي فرد من أفراد هذا المجتمع لا يمكن أن يكون شرعياً، ولا يجب احترامه، ولا تجوز حمايته، ومعنى ذلك أن هذا الجائع يسقط شرعية حقوق الملكية إلى أن يشبع ". وقد حدث في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أصاب بعض المسلمين عطش شديد، فمروا على بئر، ولكن أصحابه رفضوا أن يشربوا منه، فلما وفدوا على عمر بالأمر فقال: هلا وضعتم فيهم السلاح. ومشهور بيننا قول الصحابي أبو ذر الغفاري: عجبت لمسلم لا يجد قوت يومه ولا يخرج على الناس شاهرا سيفه!]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

حق الملكية الفردية من أركان قواعد الاقتصاد الإسلامي، امتاز به عن النظام الاشتراكي الذي خالف الفطرة والعقل والشرع حين ألغى هذا الحق، وامتاز به أيضاً عن النظام الرأسمالي حين أطلق العنان للحرية الفردية حتى أصبحت غولاً يأكل الأخضر واليابس.

وقد حاول بعض الناس في القديم والحديث التنظير للاشتراكية من خلال نصوص الشريعة، والتأصيل لمبادئها من خلال بعض الأحاديث والآثار التي أساؤوا فهمها.

والعلة التي أصابت هذا المنهج في التفكير فلبَّست عليه فهمَ حقيقة النظام الاقتصادي الإسلامي: هي إخراج النصوص عن سياقها وإطارها المقيد، ونقلها إلى الإطار العام والتقعيد المطلق المناقض لقواعد الاقتصاد الإسلامي.

فمثلاً:

الحديث الوارد في السؤال، وهو حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى) رواه أحمد في " المسند " (٨/٤٨٢) .

أولاً:

هذا الحديث ضعيف، فقد قال أبو حاتم في " العلل " (٢/٢٣٨) : منكر. وكذا قال الشيخ الألباني في " ضعيف الترغيب " (١/٢٧٥) ، وقال محققو المسند بإشراف الشيخ شعيب الأرنؤوط: " إسناده ضعيف لجهالة أبي بشر " انتهى. وينظر: المسند (٨/٤٨٦) – ط الرسالة ـ.

ثانياً:

غاية ما في الحديث الحث على إطعام الجائع والإحسان إلى الفقير، وليس فيه من قريب ولا من بعيد إلغاء حق الملكية الفردية إلغاء تاماً، كما هي النظرة الاشتراكية، وكما فهم بعض الناس خطأ وأشكل عليهم الأمر.

ومثله الآثار التي ذُكرت في السؤال، يرويها الحنفية، ومنهم أبو يوسف القاضي في كتاب "الآثار" (رقم/٨٩٩) عن أبي حنيفة النعمان رحمه الله، عن الهيثم: أن قوماً مروا بماء، فسألوا أهلها: أين البئر؟ فأبوا أن يدلوهم، وأبوا أن يعطوهم الدلو. فقالوا: ويحكم، إن أعناقنا وأعناق ركابنا قد كادت تقطع عطشاً، فأبوا أن يعطوهم أو يدلوهم، فذكروا ذلك لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، فقال: ألا وضعتم فيهم السلاح.

فهي – رغم أنها مرسلة منقطعة – إنما جاءت تبين حكما مخصوصاً في حالة مقيدة، فيما إذا اضطر المسلم، فلم يجد طعاماً ولا شراباً وأشرف على الهلاك، فله حينئذ – وحينئذ فقط – أن يأكل من أموال المسلمين القادرين ولو بغير رضاهم، ولو اضطره الأمر إلى مقاتلتهم على سد ضرورته بالسلاح، أما أن يُستدل بهذا الأثر على إلغاء حق الملكية مطلقاً فهذا أيضاً فهم خاطئ للنصوص.

وأما حديث: (إذا بات المؤمن جائعاً فلا مال لأحد) فليس هو بحديث أصلاً، ولا وجود له في كتب السنة والآثار.

ونحن نعلم أن بعض الناس يورد الكلام الوارد في السؤال على محمل حسن، وليس دعوة منه إلى الاشتراكية الكاملة.

جاء في " مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " رحمه الله (٧/٣٩٤) :

" إنكار النظام الاشتراكي في العراق: برقية:

فخامة رئيس الجمهورية أخذ الله بيده إلى الحق:

إن الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة تستنكر ما أصدرته الحكومة العراقية من القرارات الاشتراكية , وتضم صوتها إلى صوت علماء العراق وغيرهم من العلماء في إنكار النظام الاشتراكي , وتؤكد بأنه نظام كفري يصادم نظام الإسلام ويناقضه , وتنصح حكومة العراق بالرجوع إلى نظام الإسلام وتطبيقه في البلاد , لكونه أعدل نظام وأصلح تشريع عرفته البشرية , وهو كفيل بتحقيق العدالة الاجتماعية السليمة، وحل للمشاكل الاقتصادية وغيرها , وإيصال حق الفقير إليه على خير وجه إذا أخلص المسلمون في تطبيقه. والإسلام يحرم على المسلم دم أخيه وماله وعرضه، ويعطيه حرية التصرف الكامل في ماله في ظل الحكم الشرعي , وتصرح تعاليمه بأن ما يزعمه بعض الناس من أن النظام الاشتراكي مستمد من روح الإسلام زعم باطل، لا يستند لأي أساس من الصحة " انتهى.

ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب " حكم الإسلام في الاشتراكية " للشيخ عبد العزيز البدري رحمه الله.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>