موقفنا من اختلاف العلماء
[السُّؤَالُ]
ـ[إذا كانت هناك مسألة ما، وفيها أكثر من فتوى شرعية، فتوى تقول بالتحليل، وفتوى تقول بالتحريم، وفتوى ما بين بين، فالمسلم أي شيء يختار، وخاصة في الأمور المستحدثة، والتي يدخل فيها القياس، والاجتهاد، والتي لا نص فيها، مثل: فوائد البنوك، أو أياً كانت المسميات التي يسمونها، بالاستمثار، أو العائد الاستثماري.
وما موقف ما يقول إنها فتوى عالم، وهو المسؤول عنها، وإنها معلقة في رقبته؟
وما موقف من يتتبع رخص العلماء، وتسهيلات العلماء ورخصهم؟ ويقولون إنهم هم هؤلاء أهل العلم والذكر وهذه فتواهم وهم أعلم منا بذلك، وقد تكون فتواهم معارضة لفتوى شيوخ وعلماء آخرين في نفس الدولة أو في دول أخرى، فأي منهم نتبع؟ وكيف لنا السبيل أن نعرف الصحيح وغير الصحيح؟ مع العلم أن عامة الناس ليس لديهم العلم الكافي للحكم على صحة هذه الفتوى التي تصدر من عالم أو مفتي ويعارضها علماء آخرون.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قبل الجواب على هذا السؤال الهام، لا بد أولاً من بيان الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي حتى يكون من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم، ويعد خلافه خلافا بين العلماء، وهي شروط كثيرة، ترجع في النهاية إلى شرطين اثنين وهما:
١. العلم. لأن المفتي سوف يخبر عن حكم الله تعالى، ولا يمكن أن يخبر عن حكم الله وهو جاهل به.
٢. العدالة. بأن يكون مستقيما في أحواله، ورعا عفيفا عن كل ما يخدش الأمانة. وأجمع العلماء على أن الفاسق لا تقبل منه الفتوى، ولو كان من أهل العلم. كما صرح بذلك الخطيب البغدادي.
فمن توفر فيه هذان الشرطان فهو العالم الذي يعتبر قوله، وأما من لم يتوفر فيه هذان الشرطان فليس هو من أهل العلم الذين تعتبر أقوالهم، فلا عبرة بقول من عُرف بالجهل أو بعدم العدالة.
الخلاف بين العلماء أسبابه وموقفنا منه للشيخ ابن عثيمين ص: ٢٣.
فما هو موقف المسلم من اختلاف العلماء الذين سبقت صفتهم؟
إذا كان المسلم عنده من العلم ما يستطيع به أن يقارن بين أقوال العلماء بالأدلة، والترجيح بينها، ومعرفة الأصح والأرجح وجب عليه ذلك، لأن الله تعالى أمر برد المسائل المتنازع فيها إلى الكتاب والسنة، فقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) النساء/٥٩. فيرد المسائل المختلف فيها للكتاب والسنة، فما ظهر له رجحانه بالدليل أخذ به، لأن الواجب هو اتباع الدليل، وأقوال العلماء يستعان بها على فهم الأدلة.
وأما إذا كان المسلم ليس عنده من العلم ما يستطيع به الترجيح بين أقوال العلماء، فهذا عليه أن يسأل أهل العلم الذين يوثق بعلمهم ودينهم ويعمل بما يفتونه به، قال الله تعالى: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) الأنبياء/٤٣. وقد نص العلماء على أن مذهب العامي مذهب مفتيه.
فإذا اختلفت أقوالهم فإنه يتبع منهم الأوثق والأعلم، وهذا كما أن الإنسان إذا أصيب بمرض – عافانا الله جميعا – فإنه يبحث عن أوثق الأطباء وأعلمهم ويذهب إليه لأنه يكون أقرب إلى الصواب من غيره، فأمور الدين أولى بالاحتياط من أمور الدنيا.
ولا يجوز للمسلم أن يأخذ من أقوال العلماء ما يوافق هواه ولو خالف الدليل، ولا أن يستفتي من يرى أنهم يتساهلون في الفتوى.
بل عليه أن يحتاط لدينه فيسأل من أهل العلم من هو أكثر علماً، وأشد خشية لله تعالى.
الخلاف بين العلماء للشيخ ابن عثيمين ٢٦. لقاء منوع من الشيخ صالح الفوزان ص: ٢٥، ٢٦.
وهل يليق – يا أخي - بالعاقل أن يحتاط لبدنه ويذهب إلى أمهر الأطباء مهما كان بعيدا، وينفق على ذلك الكثير من الأموال، ثم يتهاون في أمر دينه؟! ولا يكون له هَمٌّ إلا أن يتبع هواه ويأخذ بأسهل فتوى ولو خالفت الحق؟! بل إن من الناس – والعياذ بالله – من يسأل عالماً، فإذا لم توافق فتواه هواه سأل آخر، وهكذا حتى يصل إلى شخص يفتيه بما يهوى وما يريد !!
وما من عالم من العلماء إلا وله مسائل اجتهد فيها ولم يوفق إلى معرفة الصواب، وهو في ذلك معذور وله أجر على اجتهاده، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا حَكَمَ الْحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ، وَإِذَا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثُمَّ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ) البخاري (٧٣٥٢) ومسلم (١٧١٦) .
فلا يجوز لمسلم أن يتتبع زلات العلماء وأخطاءهم، فإنه بذلك يجتمع فيه الشر كله، ولهذا قال العلماء: من تتبع ما اختلف فيه العلماء، وأخذ بالرخص من أقاويلهم، تزندق، أو كاد.اهـ. إغاثة اللهفان ١/٢٢٨. والزندقة هي النفاق.
نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا، ويوفقنا للعلم النافع والعمل الصالح.
وأما ما ذكرته من فوائد البنوك فقد سبق الجواب عنها، فنرجو مراجعة الأسئلة (١٨١) ، (١٢٨٢٣) .
والله أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب
الشيخ محمد صالح المنجد