متحير من معرفة الحق من بين الطوائف والجماعات
[السُّؤَالُ]
ـ[أعلم بأنك شرحت طريقة معرفة الجماعة الحقيقية التي تتبع الحديث والسنة ولن يضل من اتبعهم، كنت مع جماعة أهل الحديث - (السعوديون السلفيون) - حتى وصلني الكثير من المعلومات من بعض الناس، يتهمون بها السلفيون وبالتأكيد فكلامهم مدعم بالحديث الذي لا أستطيع أن أرده أو أرفضه. نقلت هذه الاتهامات للسلفيين فذكروا لي أحاديث مقنعة كذلك ولا أستطيع رد هذه كذلك. لا أستطيع ترك السلفيين لأنهم الجماعة الوحيدة الموجودة في مدينتي الصغيرة بجانب عبَّاد القبور، وإذا اتبعتهم فهل هذا يجعلني من أصحاب التقليد الأعمى للسلفيين؟ فكما يقول المخالفون للسلفيين إننا يجب أن نتبع إماماً واحداً. باختصار ما هو أفضل حل؟ لماذا أكثر الجماعات والمذاهب يذكرون أحاديث ويقولون بأن سندها صحيح ثم يعارضون بها أحاديث أخرى؟ كيف إذا تكون أحاديث صحيحة؟ ماذا أفعل؟.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
قد بيَّنا في كثيرٍ من أجوبتنا الميزان الذي يستطيع المسلم الحكمَ به على الجماعات والفِرَق والأحزاب المخالفة للشرع، ومما نوضحه أكثر وأكثر هنا:
أن الاختلاف الذي تراه بين المسلمين الآن لم يجعل الله تعالى فيه الناس حيارى لا يعرفون الحق منه من الباطل، بل جعل الله تعالى للحق أمارات، ووضع للصادقين علامات، ونصب للمناهج أدلة وبيِّنات واضحات لا يزيغ عنها إلا هالك.
وعندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة أخبر أنها كلها في النار إلا واحدة، وهي " من كان على مثل ما عليه هو وأصحابه "، فهذا هو الميزان، فلابد من موافقة الصحابة رضي الله عنهم، فلا يكفي أن يأتي الشخص بحديث ويقول عنه أنه صحيح ثم يستدل به على تصحيح مذهبه أو رأيه حسب ما فهمه هو من ذلك الحديث، وإنما الذي ينبغي هو البحث هل فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا الحديث على هذا الوجه أم لا؟
فهذا هو الضابط الذي يفرق أهل الحق حقيقة وغيرهم، ألا وهو الرجوع في فهم الدين إلى السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فإنهم أفضل هذه الأمة وخيرها وأعلمها كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
والذي ينظر في الفرق التي حادت عن الصواب يرى أنهم قد يلبسون على الناس بالاستدلال بآية أو بحديث في غير موضعه حتى يوهموا الناس أنهم يتبعون الكتاب والسنة، ولكنهم لا يستطيعون أن يثبتوا أن هذا هو ما فهمه الصحابة رضي الله عنهم من هذه النصوص.
فالذين يحرفون صفات الرب تبارك وتعالى، والذين يعبدون القبور ويطوفون حولها، والذين يرقصون في الذِّكر، والذين ينفون القدَر، والذين يقولون بخلْق القرآن، وغير ذلك من العقائد والمناهج المنحرفة ليس أحدٌ منهم يزعم أنه على اعتقاد أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وإن زعم أن معه آية أو حديثاً لكنه لا يستطيع أن يثبت أن فهمهما هو فهم من شاهد التنزيل وسمع النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة الكرام رضي الله عنهم.
وهذا ميزان دقيق عظيم يستطيع الإنسان أن يعلم من خلاله صحة وفساد ما يسمعه ويقرؤه من عقائد ومناهج يزعم أصحابها أنهم على هدى وحق.
واتباعك لما يقوله لك العلماء السلفيون ويذكرونه لك من التوحيد والفقه والحديث إنما هو اتباع للإسلام الحق الذي رضيه الله تعالى للناس أجمعين، وقد يدخل عليك الشيطان ويوسوس لك أن هذا تقليد وهو غير جائز، ولا شك أن هذا بداية طريق الانحراف عن الجادة والصواب، فالعامي من المسلمين أوجب الله تعالى عليه سؤال أهل العلم والأخذ بكلامهم وفتاواهم، وأنت تعلم أن أقرب هؤلاء إلى الصواب والحق هو من يسير على طريق أصحاب النبي صل الله عليه وسلم في فهم نصوص الكتاب والسنة، وهم أتباع السلف الصالح.
والمسلم الذي عنده قدر من العلم الشرعي يستطيع أن يكتشف بنفسه صحة أو فساد ما يسمعه ويقرؤه من خلال دراسته والمقارنة بينه وبين ما ثبت عن السلف الصالح.
ولا مانع أن يكون الحق في بعض القضايا مع المخالف لكن لا يمكن أن يكون المنهج والطريق صحيحاً غير طريق سلف هذه الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان.
فكل ما ينقله العلماء السلفيون إنما هو قول الصحابة وسعيد بن المسيب والزهري ومجاهد وعطاء ومالك وحماد بن زيد وحماد بن سلمة والشافعي وأحمد والبخاري ومسلم وأبي داود وغيرهم من منارات الهدى وعلامات الحق.
وستجد أهل البدع يذكرون ما لهم دون ما عليهم، وستجدهم يعارضون السنة بكتبهم، ويرفضون السنة لمخالفتها كتبهم، ويحرفون ما يأتي في كتاب الله صريحاً، ويضعفون ما يأتي في السنَّة واضحاً بيِّناً مخالفاً لآرائهم وأهوائهم، وهكذا، ولهذا سموا " أهل الأهواء ".
وأما أهل السنَّة فيذكرون ما لهم وما عليهم، وينظرون إلى السنة بكل تجرد، مقدمين السنة – إن صحت -على كل ما سواها، وليس عندهم هوى يتبعونه حتى يرفضوا من أجله حديثاً أو يحرفوا آية.
وليس بين نصوص الوحي أي تعارض في الحقيقة إنما التعارض في الظاهر فقط، ولكل علم أهله المتخصصون به، فالحديث له أهله الذين يبينون صحيحه من سقيمه، ويوضحون المقصود منه، ويزيلون الإشكال، ويوفقون بين ما ظاهره اتعارض.
والخلاصة:
خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأعلم الناس بهذا الهدي هم أهل الحديث وفقهاؤه، وهم السلف الصالح، من تبع قولهم نجا ومن خالفه هلك.
وعليك بلزوم هذا الطريق وسؤال الله تعالى الهداية والتوفيق والثبات.
وأما قول السائل عن أهل الحديث أنهم (السعوديون السلفيون) هذا الحصر غير صحيح.
فلا يختص أهل الحديث ببلد معين أو أشخاص معينين بل أهل الحديث كل من ابتع سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفهمها الفهم الصحيح الموافق لفهم الصحابة رضي الله عنهم والتابعين لهم بإحسان.
والله الهادي.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب