للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل تدعو الزوجة الثانية على الزوجة الأولى لظلمها لها؟

[السُّؤَالُ]

ـ[لقد طلقني زوجي، بعد زواجٍ دام ١١ شهرًا فقط! ! وسؤالي هو: في قلبي نارٌ من تفضيله زوجته الأولى عليّ، رغم تعدّيها وظلمها لي. فهل من المحرّم الدعاء بالسوء. . لأني أشعر أنّي لا أملك سوى دفاع الله عنّي، وجبر خاطري، ولذلك أقول طوال الوقت: حسبي الله ونعم الوكيل، اللهمّ أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها. . وأقول: اللهم انصرني على من ظلمني، وأرني به ثأري، وبالفعل أعنيه.]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

قد حذرنا الله ورسوله من الظلم , قال الله تعالى: (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) إبراهيم/٤٢ , وقال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) رواه مسلم (٢٥٧٨) .

ومن أعظم الظلم وأقبحه: ظلم الزوج زوجته، وتركه العدل بين زوجاته.

قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَتْ لَهُ امْرَأَتَانِ، فَمَالَ إِلَى إِحْدَاهُمَا، جَاءَ يَوْمَ القِيَامَةِ وَشقّهُ مَائِلٌ) رواه أبو داود (٢١٣٣) وصححه ابن حجر "بلوغ المرام" (٣١٥) .

قال الذهبيّ رحمه الله في "الكبائر" (ص١٠٩) :

" ومن الظلم: أن يظلم المرأة حقّها من صداقها ونفقتها وكسوتها " انتهى.

وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:

(يؤخذ بيد العبد والأمة يوم القيامة، فينادي منادٍ على رؤوس الأولين والآخرين: هذا فلان بن فلانٍ، من كان له حقٌ فليأت إلى حقّه، فتفرح المرأة أن يكون لها الحقّ على أبيها، أو على ابنها، أو على أخيها، أو على زوجها، ثم قرأ ابن مسعود: (فَلَاْ أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَاْ يَتَسَاءَلُون) المؤمنون/١٠١، فيغفر الله تبارك وتعالى من حقّه ما شاء، ولا يغفر من حقوق الناس شيئًا) رواه الطبري في تفسيره (٥/٩٠) .

ثانيًا:

وقد أرخص الله سبحانه وتعالى للمظلوم أن ينتصر ممن ظلمه في الدنيا، وذلك بما يقدر عليه، من غير تعدٍّ ولا تجاوزٍ ولا ظلم.

قال الله تعالى: (لَاْ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَاّ مَنْ ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيْعًا عَلِيْمًا) النساء/١٤٨.

قال ابن كثير في "التفسير" (١/٥٧٢) :

" قال ابن عباسٍ في الآية: يقول: لا يحب الله أن يدعو أحدٌ على أحدٍ، إلا أن يكون مظلومًا، فإنّه قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، وذلك قوله: (إِلّا مَنْ ظُلِمَ) ، وإن صبر فهو خيرٌ له " انتهى.

وقال تعالى: (وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيْلٍ، إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَىْ الّذِيْنَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِيْ الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقّ، أُوْلئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ) الشورى/٤١-٤٢.

وقال تعالى: (وَالَّذِيْنَ إِذَاْ أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) الشورى/٣٩.

وقد جاء عن بعض الصحابة دعاؤهم على من ظلمهم:

فلما اتهم رجلٌ من أهل الكوفة سعدَ بن أبي وقاص رضي الله عنه بما هو بريء منه , قال سعدٌ: (أما والله لأدْعونّ بثلاْثٍ: اللهمّ إنْ كان عبْدك هذا كاذبًا قام رياءً وسمعةً، فأطلْ عمره، وأَطِلْ فقْرَه، وعرّضه للْفتن. فكان الرجل يقول بعد ذلك: شيخٌ مفْتونٌ أصابتْني دعْوة سعْدٍ) رواه البخاري (٧٥٥) ومسلم مختصرا (٤٥٣) .

وعن محمد بن زيد عن سعيد بن زيْدٍ رضي الله عنه أنّ أروى (اسم امرأة) خاصمتْه في بعْض داره، فقال: دعوها وإيّاها، فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (من أخذ شبْرًا من الأرض بغيْر حقّه طوّقه في سبع أرضين يوْم القيامة) ، اللهمّ إن كانت كاذبةً فأعم بصرها , واجعلْ قبرها في دارها، قال: فرأيتها عمياء تلتمس الجدر، تقول: أصابتني دعوة سعيد بن زيدٍ، فبينما هي تمشي في الدّار، مرّت على بئرٍ في الدّار فوقعتْ فيها فكانت قبْرها. رواه مسلم (١٦١٠) .

قال النووي في "شرح مسلم" (١١/٥٠) :

" وفي حديث سعيد بن زيدٍ رضي الله عنه جواز الدعاء على الظالم " انتهى.

وإذا دعا المظلوم على من ظلمه، فلا يتعدَّ في الدعاء، ولا يتجاوزْ ما شرعه الله له.

قال الحسن البصري:

(لا يدع عليه، وليقل: اللهم أعنّي عليه، واستخرج حقّي منه) .

وفي روايةٍ عنه قال: (قد أرخص له أن يدعو على من ظلمه، من غير أن يعتدي عليه) انتهى.

"تفسير ابن كثير" (١/٥٧٢) .

وخير ما يدعو به المظلوم، هو ما جاء عن النبيّ صلى الله عليه وسلم.

فعن جابرٍ رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الَّلهُمّ أَصْلِحْ لِيْ سَمْعِي وَبَصَرِيْ، وَاجْعَلْهُمَا الوَارِثَيْنِ مِنّي، وَانصُرنِي عَلَى مَنْ ظَلَمَنِي، وَأَرِنِي مِنْهُ ثَأْرِي) . رواه البخاري في الأدب المفرد (١/٢٢٦) ، وصححه الألباني في صحيح الأدب المفرد.

وعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم قلّما كان يقوم من مجلسٍ حتّى يدْعو بهؤلاء الدّعوات لأصحابه: (الّلهُمَّ اقْسِمْ لَنَا مِنْ خَشْيَتِكَ مَا تَحُولُ بِهِ بَيْنَنَا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ. . . واجْعَلْ ثَأْرَنَا عَلَىْ مَنْ ظَلَمَنَا وَانصُرْنَا عَلَىْ مَنْ عَادَانَا. .) رواه الترمذي (٣٥٠٢) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي.

ثالثاً:

وخيرٌ من ذلك كله: العفو، وترك أمر الظالم له سبحانه وتعالى يوم القيامة، وذلك أنّ من عفا عن حقّه في الدنيا، أخذه وافرًا في الآخرة، وأراح قلبه من شوائب الحقد والغيظ.

وقد بوّب البخاريّ في صحيحه (٢/٨٦٤) :

" باب عفو المظلوم لقوله تعالى: (إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوَءٍ فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا) النساء/١٤٩. (وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ) الشورى/٤٠. (وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) الشورى/٤٣ " انتهى.

وقال صلى الله عليه وسلم: (يَا عُقبَةَ بنَ عَامِر: صِلْ مَنْ قَطَعَكَ، وَأَعْطِ مَنْ حَرَمَكَ، وَاعْفُ عَمَّن ظَلَمَكَ) رواه أحمد (٤/١٥٨) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (٨٩١) .

وعنْ عائشة رضي الله عنْها قالت: (سُرِقَتْ مِلْحفةٌ لَهَا، فَجَعَلَتْ تَدْعُو عَلَى مَن سَرَقَهَا، فَجَعَلَ النَّبيّ صلى الله عليه وسلم يقولُ: لَاْ تُسَبِّخِي عَنْهُ) .

قال أبو داود: لا تسبخي: أي: لا تخففي عنه. رواه أبو داود برقم (١٤٩٧) وصححه الألباني في "صحيح الترغيب" (٢٤٦٨) .

والخلاصة:

أنه لا يجوز للزوج أن يظلم زوجته سواء كانت واحدة أو معها أخرى، ويجوز للمظلوم أن يدعو على من ظلمه، لكن لا يجوز له أن يعتدي في دعائه، وخير من الدعاء العفو: والمسامحة.

والله أعلم.

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>