حكم شركة تبيع أسطوانة بـ٥٠٠ ريال وتعد المشترين بـ٤٢٥٠٠ريالا بعد مدة
[السُّؤَالُ]
ـ[نحن مجموعة من الشباب عُرض علينا الاشتراك في نظام لشركة اسمها (هبة الجزيرة) ، نريد معرفة الحكم الشرعي في هذه المعاملة علما بأنهم يقومون ببيع أسطوانة شرعية بمبلغ (٥٠٠) ريال، ويقومون بإعطاء من يشتري منهم مبلغ (٦٠٠) ريال بعد فترة شهر إلى شهرين. ومبلغ (٤٢٥٠٠) ريال بعد سنة إلى ثلاث سنوات، ويعتبرون هذه المبالغ هدايا لمن اشترى منهم، نريد إجابة واضحة حتى نشترك فيها أو نبتعد ونحذِّر إخواننا منها.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
لا يتبيَّن حكم عمل مثل هذه الشركة إلا إذا تبيَّن ما هو قصد المشترين. وبعد تأمُّل هذه المعاملة المسئول عنها، وهي طريقة البيع والإغراء التي تتبعها هذه الشركة من خلال الأوراق المطبوعة للتعريف بنظامها وحوافزها، ومن خلال ما ذَكَرَهُ بعض منسوبي الشركة، وسؤال بعض الاقتصاديين المختصين، يتَبَيَّن ما يلي:
١- بدأت الشركة نشاطها بتسويق أسطوانة حاسوبية في العلوم الشرعية وما يلحق بها وسيكون الجواب منصبَّا عليها باعتبارها نموذجا لما تقوم الشركة بتسويقه لأنه وإن اختلفت السلع التي تسوِّقها الشركة فإن هذا لن يُغيِّر من حقيقة المعاملة.
٢- تبيع الشركة هذه الأسطوانة بـ (٥٠٠) ريال. مع أن قيمة ما هو من جنسها في الجودة والموضوعات أقل من هذا المبلغ باعتبار حقيقة العرض والطلب.
٣- في إعلان الشركة عن نظام مكافآتها لم تتعرض للأسطوانة المبيعة، وذكر ما فيها من مواد علمية ومدى فائدتها وأهميتها وحاجة المشترين لها، وإنما كان الكلام منصباً على المكافأة المالية ونظامها.
٤- كل أو أكثر المشترين الذين يأتون إلى الشركة إنما يسألون عن نظام المكافآت، ولا يسألون عن الاسطوانة وما فيها من مواد علمية ـ فضلا عن مقارنتها مع غيرها ـ مع أن المبلغ المدفوع كثمن للأسطوانة كبير (٥٠٠ ريال) والعادة تمنع أن يبذل مثل هذا المبلغ في اسطوانة يجهل المشتري محتوياتها، ولا يسأل عنها بل ولا يعنيه ما فيها.
٥- سمعنا عن بعضهم أنه اشترى عدداً كبيراً من الأسطوانات؛ فبعضهم اشترى بأكثر من مائتي ألف ريال، وسمعنا بما هو أكثر من ذلك، فماذا يفعل هؤلاء بهذا العدد الهائل من الأسطوانات؟! مع أن الشخص لا يحتاج إلى أكثر من أسطوانة واحدة في العادة، إن احتاج إليها بالفعل.
٦- بعض من يشتري هذه الأسطوانة ليس عندهم جهاز حاسوب أصلاً، ومنهم من ليس له أي اهتمام بالعلم الشرعي، ولا بما تحويه الاسطوانة، بل منهم من لا يتحدث اللغة العربية، بل ومنهم من ليس بمسلم أصلا!!.
فلأي شيء يتهافت المشترون على هذه الأسطوانة، يا تُرى، في حين أنهم قد لا يشترون كثيرا من احتياجاتهم الأساسية التي هي أهم وأنفع لهم بكثير من الاسطوانات؟
ولو قدر أنهم يحتاجون الاسطوانات، وينتفعون بها، فهم يعرضون عن اسطوانات هي أنفع منها بالنسبة لهم، وثمنها مع ذلك أقل بكثير من هذه التي يتهافتون عليها!!
٧- ثبت أن بعضهم قام بإلقاء الأسطوانات التي اشتراها خارج مكتب الشركة، بمجرد مغادرتهم لها،، بعد أخذهم للورقة التي تثبت شراءهم من الشركة!!! .
٨- المكافأة الموعود بها أكثر من قيمة الأسطوانة بأضعاف؛ وعليه فلا يصح أن نقول إنها وضيعة (تخفيض) من ثمن السلعة المبيعة.
٩- المكافأة الموعودة أضعاف أضعاف الثمن المدفوع في السلعة، فالثمن (٥٠٠) ريال، ثم بعد شهر واحد إلى ثلاثة أشهر يعطى المشتري (٦٠٠) ريال. ثم بعد سنة إلى ثلاث سنوات يعطى (٤٢٥٠٠) ريال، وهو ما يعادل ثمن (٨٥) أسطوانة، وقد صرحوا بأن المشتري لا يستحق الهدية الثانية إلا بعد أن يكون تحته (٣٤٠) متسوِّقا، وهذا يدل على أن المدة ستتباعد جدا لحصول المشترين المتأخرين على الهدية الثانية، بل وسيكون حصول بعضهم عليها شبه محال، لاسيما مع احتمال أن تتوقف الشركة، أو تُوْقَف فجأة عن هذا النشاط.
١٠- تُلزم الشركة المشتري بالتوقيع على إقرار بأنه ليس له حق المطالبة بأي مبالغ، ولا يتم البيع له إلا بعد التوقيع على هذه الشروط.
١١- نظرا لكون أكثر المشترين لا يقصدون الأسطوانة من حيث الأصل ولا يريدونها فقد ابتكرت الشركة بعد فترة من تعاملها فكرة تولي توزيع الكميات الكبيرة من الأسطوانات التي يشتريها من لا يحتاجها ولا رغبة له فيها، على المحتاجين لها على أنها هدية أو تبرع، وهذا لا يغيِّر من حكم المعاملة شيئا لأن العبرة في العقود بالحقائق.
كل هذه الأسباب مجتمعة تجعلنا نجزم بأن أكثر ـ إن لم يكن كلّ ـ من يدخل في هذه المعاملة إنما مقصده النقود الموعود بها وليس الانتفاع بالسلعة، وأن هذه المعاملة في حقيقتها عبارة عن شراء نقد مؤجَّل كثير بنقد حالٍّ أقل، مما يجعل الدخول في هذه المعاملة محرماً إما من باب تحريم الحيل ـ إن كان القصد من المعاملة الظاهرية الوصول إلى المحرم ـ وإما من باب أن كل ما أدَّى إلى حرام فهو حرام، ووجوب سدِّ طرق المنكر المؤدية إليه وإغلاق الأبواب التي توقع الناس في الحرام، ولهذا جاءت الشريعة بمنع الكثير من المعاملات والأنكحة التي ظاهرها سلامة العقد كبيع العينة ونكاح التحليل ونحو ذلك، وذكر العلماء الكثير من صور الحيل في كتب الفقه.
ويمكن تلخيص أهم المحاذير في هذه المعاملة في النقاط التالية:
١- أنها مبنية على الربا ـ على الأقل من جهة المشتري ـ وذلك إذا كان يريد النقد (المكافأة) لا السلعة، فيكون قد دفع (٥٠٠) ريال ليحصل على (٦٠٠) ريال بعد شهر تقريبا، و (٤٢٥٠٠) بعد سنة إلى ثلاث سنوات تقريبا فيجتمع فيها نوعا الربا. ربا الفضل لأجل الزيادة، وربا النسيئة لأجل التأجيل. والله تعالى يقول: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة/٢٧٥ ويقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ) البقرة/٢٧٨-٢٧٩
٢- أنها مبنية على الميسر، لأن المشترك دفع المال في الحقيقة أو في الغالب ليحصل على ما يسمونه (مكافأة) أو (هبة) والتي قد تحصل له وقد لا تحصل ـ بناء على ما اشترطته الشركة من أن هذا ليس وعداً ملزماً لها وإنما هو تبرع منها وهدية محضة!!! ـ وهذه حقيقة الميسر، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) المائدة/٩٠-٩١. والميسر هو أحد أنواع الغرر وقد ثبت في حديث أبي هريرة رضي الله عنه (أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم نهى عن بيع الغرر) مسلم (١٥١٣) والغرر هو (ما شُكَّ في حصول أحد عِوَضَيْه، أو المقصود منه غالباً -بحيث لا يُدرى هل يحصل أم لا-) شرح حدود ابن عرفة (١/٣٥٠) .
٣- أنها مبنية على الخداع والتغرير وإطماع الناس في المال ثم يُقال لهم: لسنا ملزمين نحوكم بشيء، وهذا يفتح الباب لجمع الملايين من المشترين بعد إيعادهم بالمكافأة ثم لا يُعطى أكثرهم شيئاً، أو يُعطى من يُعطى ويُؤخر من يُؤخر ويُقدَّم من يُقدَّم بدون أي ضوابط معلومة أو شروط، وخارج نطاق الملاحقة القانونية.
٤- أنها مشتملة على أكل أموال الناس بالباطل. وذلك أن الشركة إذا لم تُعطِ المشتري الهدية ـ خاصة من يتأخر شراؤهم زمنيا ـ تكون قد أكلت الزيادة المدفوعة في ثمن الأسطوانة عن قيمتها الحقيقية بغير حق.
فبم تستحل الشركة أموال الناس بغير حق؟! والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) النساء/٢٩. ويقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ) رواه البخاري (١٧٣٩) ومسلم (١٦٧٩) .
والبائع قبل المشتري يعلم أن التوقيع في العقد على عدم المطالبة بأي حقوق أمر لا يقع عن رضا حقيقي، إذا الطمع موجود في نفس المشتري المُوَقِّع ولا بدَّ، وعنده نسبة من الثقة في تعهدات الشركة بالأمانة في توزيع المكافآت وعدم إغلاق النشاط، والذي يعتبره المشتري وعداً مؤكداً.
وقد سبق في جواب السؤال رقم (٤٠٢٦٣) والمتعلق بحكم شركة بزناس ومثيلاتها من عمليات الخداع ذكرٌ لأسباب ذيوع مثل هذه المعاملات وتهافت الناس عليها، وكذلك ذكر لأحد عشر قاعدة شرعية عامة تعين على توطين النفس للأخذ بالحكم الشرعي والبعد عن أمثال هذه المعاملات، فليرجع إليها.
وختاماً فأن المسلم ينبغي له أن يفرح بقيام المشاريع الاستثمارية والتجارية المباحة ويتمنى لها النجاح والتوسع والمزيد من الربح، وذلك من محبة الخير لإخوانه المسلمين كما جاء في حديث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (أحبَّ لأخيك ما تحب لنفسك) رواه أحمد ١٦٢١٩ وأصله في الصحيحين. وإذا كانت هذه المشاريع إنتاجية وليست استهلاكية كان ذلك أفضل وأجود لأنها تساهم في تقوية المجتمع المسلم. ولكن هذا لا يقتضي ألَاّ يتم البيان الشرعي لما يكتنف هذه المعاملات الجديدة من مخالفات شرعية ـ نتيجة أخذ أكثرها عن بعض الأنظمة الغربية التي لا تنظر إلى حلٍّ أو حرمة ـ وذلك من أجل إبعاد الناس عن المال الحرام كسبا أو إعطاءً.
هذا ما تبيَّن في حكم نشاط هذه الشركة، وإنني أنصح القائمين عليها محبة لهم وإشفاقا عليهم مادام نشاطهم مخططاً له التوسع والشمول للعدد الكبير من الناس مع وجود ما يُرتاب فيه في أسلوب العمل وحقيقته أن يهتمُّوا بعرض أمر هذه الشركة على الجهة العلمية المعنية بإصدار الفتاوى إبراء لذمتهم وقطعاً للمنازعات الجانبية وفي اللجنة الدائمة للإفتاء الخير والكفاية إن شاء الله.
والنصيحة لإخواننا المسلمين أن يحرصوا على أكل الطيب الحلال والبعد عن الحرام مهما كثُر وتزخرف، فإن كل جسد نبت من حرام فالنار أولى به، ومن ترك شيئا لله عوَّضه خيرا منه.
نسأل الله أن يقنِّعنا بما رزقنا وأن يغنينا بحلاله عن حرامه وأن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتِّباعه وأن يعصمنا من مضلات الأهواء وفتن الشهوات والشبهات.
والله تعالى أعلم.
مناقشات:
هذه بعض المناقشات المتفرقة التي قد ترد على الإجابة السابقة، ألحقت بها تكميلا للجواب وتم فصلها عنه دفعا للإطالة.
قد يقول قائل ألا يجوز للشركة أن توزِّع جوائز معلومة على المشترين من باب الترويج التجاري وزيادة مبيعاتها؟ فلماذا يَحرم عليها ما يُباح لغيرها؟
فالجواب عن هذا:
أن علماءنا مختلفون أصلاً في جواز شراء سلعة يُعطى عليها جوائز. فذهب بعضهم إلى التحريم مطلقاً، منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ومنهم اللجنة الدائمة للإفتاء في عدد من الفتاوى، لأسباب منها: أنه يوغر صدور الباعة الآخرين، وأفتوا كذلك بالمنع في جوائز السحب لأنها ميسر وقمار، وتغري الناس بشراء ما لا يحتاجون طمعاً في الجائزة. لنص الفتاوى راجع السؤال رقم (٢٢٨٦٢)
ومن أفتى من علمائنا بجوازها قيَّد ذلك بشروط كالشيخ ابن عثيمين رحمه الله. فإنه قال:
"الشركات – الآن - تجعل جوائز لمن يشتري منها، فنقول: هذه لا بأس بها بشرطين:
الشرط الأول:
أن يكون الثمن – ثمن البضاعة – هو ثمنها الحقيقي، يعني: لم يرفع السعر من أجل الجائزة، فإن رفع السعر من أجل الجائزة: فهذا قمار ولا يحل.
الشرط الثاني:
ألَاّ يشتريَ الإنسان السلعة من أجل ترقب الجائزة، فإن كان اشترى من أجل ترقب الجائزة فقط، وليس له غرض في السلعة: كان هذا من إضاعة المال، وقد سمعنا أن بعض الناس يشتري علبة الحليب أو اللبن، وهو لا يريدها لكن لعله يحصل على الجائزة، فتجده يشتريه ويريقه في السوق أو في طرف البيت، وهذا لا يجوز؛ لأن فيه إضاعة المال، وقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن إضاعة المال" اهـ.
" أسئلة الباب المفتوح " (رقم ١١٦٢) .
وهذان الشرطان غير متوفرين في المعاملة المسئول عنها، فإن ثمن الأسطوانة أكثر من قيمتها الحقيقية، كما تقدم، بدليل أنها لو عرضت في السوق من غير نظام الحوافز، ما اشتُرِيت بهذا المبلغ، ولا اشترى هذه الكميات الكبيرة آحادُ الناس.
وأما عدم توفُّرِ الشرط الثاني فأوضح من أن يُنبَّه عليه فإن كثيرا من المشترين هم ممن لا اهتمام لهم بالموضوعات التي في الأسطوانة، وبعضهم ممن لا يتكلم بالعربية أصلا، وبعضهم رمى الأسطوانات بمجرد خروجه من الشركة، وبعضهم يشتري مئات بل آلاف من هذه الأسطوانة، وهذا يجعل الناظر يجزم أنهم يريدون المال لا الأسطوانة،، وإلا فلماذا لم يُقبِل هؤلاء على شراء ما هو من جنس هذه الأسطوانة مما هو موجود في السوق منذ سنوات وبثمن أقل؟! . وإن وُجد مَنْ قَصَدَ الأسطوانة فهو من قبيل النادر، والنادر لا تُبنى عليه الأحكام.
وليُعلم أنه لا يشترط في التحريم بسبب سد الذرائع أن يقصد المتعاملون الحرام؛ بل يكفي كثرة قصد ذلك في العادة، وذلك لأن القصد لا ينضبط في نفسه غالباً، إذ إنه من الأمور الباطنة التي يصعب اعتبارها؛ فاعتُبِرَتْ مظنة القصد، ولو صح تخلفه - أي عدم وقوعه. انظر في توضيح هذا إعلام الموقعين (٣/١٤٨) ، إغاثة اللهفان (١/٣٧٦) ، الموافقات للشاطبي (٢/٣٦١) .
وهذا كله دليل على أن هؤلاء إنما أرادوا النقد، وأن العقد مهما عُدِّلت صورته فهو شراء نقد بنقدٍ. قال ابن القيم رحمه الله: (فتغيير صور المحرمات وأسمائها مع بقاء مقاصدها وحقائقها زيادةٌ في المفسدة التي حُرِّمت لأجلها، مع تَضَمُّنِه لمخادعة الله تعالى ورسوله ونسبة المكر والخداع والغش والنفاق إلى شرعه ودينه وأنه يُحرِّم الشيء لمفسدة ويبيحه لأعظم منها ولهذا قال أيوب السختياني يخادعون الله كأنما يخادعون الصبيان، لو أتوا الأمر على وجهه كان أهون) إغاثة اللهفان ١/٣٥٤.
وقد يُقال إن قصد الشركة ليس الوصول للربا عبر مبيعاتها بل تسويق هذه المنتجات، فيُقال:
ما حكم أن يقيم المسلم نشاطا تجاريا، وهو يعلم أن عامة زبائنه يقصدون الحرام من وراء شرائهم منه؛ كمن يبيع العنب أوالسلاح، وهو يعلم أن أكثر المشترين سيستعملونها في الحرام؟ والجواب هو: التحريم كما هو منصوص عليه عند أهل العلم.أنظر المغني (٤/١٥٥) والفتاوى الكبرى (٢/٢٣٩)
وقد يُقال إن الشركة قد فتحت باب الوكالة عن المشترين للتصدُّق بالاسطوانة على من لا يريدها، فيُقال لهم:
هلاّ دعوتم الناس إلى الصدقة المحضة، ولم تشوبوا نيَّاتهم بمقاصد ربحية دنيوية، تجعل الصدقة بالسلعة أقرب ما تكون إلى التخلص منها، فماذا يكون أجر من هذه حاله؟ وللشيخ ابن باز رحمه الله فتوى بالتحريم في مسابقة تشتمل على الصدقة بما يُدفع فيها راجع السؤال رقم (١١٣٤١) ، كما إنه يُقال للمتبرعين إن كنتم حريصين على التصدق بهذه الأسطوانة تحديدا نظرا لما فيها من مادة فبإمكانكم التصدق باسطوانات منسوخة منها مادامت الشركة لم تمنع من ذلك، أو التصدق بأسطوانات أرخص وأنفع أو بما يُحتاج إلى الصدقة به أكثر من الأسطوانات.
وقد يُقال: إن الاسطوانة تساوي، حقيقة، هذا المبلغ (٥٠٠) ريال، لولا وقوع الاعتداء على حقوق الملكية الفردية، فالجواب عن ذلك أن يقال:
أولا: إن حركة السوق هي التي تحدِّد في الواقع قيمة السلعة ولا يحددها ما أنفق فيها من الجهد، وذلك حسب حركة العرض والطلب، ووجود المنافس من عدمه، ومدى قوة هذا المنافس في السوق، ومستوى سلعته وقيمتها، بما هو موجود في السوق.
ثانيا: إن الشركة أسقطت حقها بعدم حفظها لحقوق النسخ، وهذا لاشك سينزل بقيمة الاسطوانة من سعر البيع الموجود، باعتبار سهولة الحصول عليها.
ثالثاً: نظرا لكثرة من اشترى ممن لا يريد السلعة فإن الأسطوانة قد أصبحت مبذولة وكثيرة بين الناس وتوزَّع أحيانا بغير مقابل وهذا لا بد أن يكون له أثر في القيمة إن كان الأمر بيعا مجردا.
تنبيه:
سبق أن جاءني أحد الإخوة ذاكراً أنه موظف في شركة وسألني سؤالين عمَّا يتعلَّق بعمله فأجبته عليهما كتابةً، ولم يذكر لي كل تفاصيل عمل الشركة، ولا سعر منتجها ولا مقدار المكافأة الأخيرة لها ... إلخ. فأجبته عن السؤالين المحددين بناءً على ما عرضه شفهياً وليس بناءً على ما أصدرته الشركة من أنظمة وتفاصيل لعقود البيع وتوابعه لديها. وبذلك يتبين أن جوابي المكتوب سابقاً هو عن سؤالين محددين لهذا السائل شخصياً وليس فتوى بجواز عمل هذه الشركة. ونظراً لتداول وعرض وتوزيع ما كتبته سابقاً لزم شرعاً هذا التبيين.
والله من وراء القصد.
[الْمَصْدَرُ]
الشيخ محمد صالح المنجد