والدها يقسو عليهم وعلى أمهم فعزموا على مقاطعته
[السُّؤَالُ]
ـ[قسوة الأب، تزوج أبي أمي وهى بسيطة لا تعرف سوى الاحترام والطاعة لم تخرج من البيت ولا تعرف مدرسة ولا كلية وهو يعشق النساء ويجري وراءهن ولم يهتم يوما بمشاعر أمي ودائما يقول عليها عبيطة المهم أني نشأت أنا وأختي وأخي ولم يربنا أحد سوى الأم البسيطة، ووالدي الآن دائم الخناق معنا ويشتمنا بألفاظ وقحة مخجلة جدا، المهم أنا أسأل عن رضا الله فنحن أخذنا موقفا منه ولا نكلمه ولا نخدمه فهل يغضب الله عنا؟ كما أنه لا يصلي ودائما أحثه على الصلاة لكن دون جدوى.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولا:
كون والدك يترك الصلاة، ويعشق النساء ويجري وراءهن، هذه منكرات ظاهرة، وأعظمها ترك الصلاة؛ لأن تركها كفر يخرج عن الإسلام في أصح قولي العلماء، لأدلة كثيرة، منها قوله صلى الله عليه وسلم: (بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ) رواه مسلم (٨٢) .
ولهذا فالواجب نصح الأب وعدم اليأس من توبته وهدايته، وينبغي أن تبحثوا عن وسائل متنوعة لنصحه، كإعطائه شريطا عن حكم تارك الصلاة، والاستعانة بمن يستطيع نصحه من الأهل والأقارب، ونحو ذلك.
وكونه أساء إليكم ولا يزال فإن هذا يوجب الرحمة في قلوبكم عليه، فإنه لو مات ولقي ربه بهذه الأعمال فإنه سيلقاه بذنوب وآثام عظيمة.
لذلك فعليك أنت وإخوتك وأهلكِ أن تعيدوا النظر في علاقتكم مع والدكم وموقفكم منه، فالله عز وجل أمرنا بالإحسان إلى الوالدين وبرهما حتى مع كفرهما ودعوتهما للكفر:
قال تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً) لقمان/١٥.
وهذا إبراهيم عليه السلام يحاور أباه المشرك بأدب كما ذكر الله تعالى ذلك عنه في قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا. إِذْ قَالَ لأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا. يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا. يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا. يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا. قَالَ أَرَاغِبٌ أَنتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْراهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا. قَالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) مريم/٤١–٤٧.
فانظروا لأدب هذا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكيف يخاطب والده المشرك الذي يهدده ويتوعده، وفي هذا موعظة بالغة ودرس مفيد لمن ابتلي بمثل هؤلاء الآباء؟!
ثانيا:
ويتأكد ما ذكرناه إذا علمتِ أن حق الأب في البر والإحسان إليه لا يسقط بتقصيره وإساءته، بل كل يؤدي الحق الذي عليه، فإذا قصر هو، فلا تقصروا أنتم، ثم إن الإعراض عنه وتجاهله وترك خدمته يزيده سوءا على سوئه، وأنتم ولا شك لا تريدون هذا. وكثير ممن ابتلي بالمعاصي ثم تاب يتحدث عن أثر هجر الناس له وأن ذلك يزيد من البلاء، ويحمل الإنسان على ارتكاب حماقات ما كان ليرتكبها لو شعر أن له أولادا يحبونه ويحترمونه حتى مع قسوته وإساءته.
إن النفس البشرية مهما طغت وأساءت إلا أنها لا تنسى الإحسان وإن تجاهلته في الظاهر، ولهذا فقد يكون العلاج النافع مع أبيكم هو زيادة القرب منه مهما بعد، والرحمة به مهما قسا، مع الدعاء له بالهداية والاستقامة.
وكوني على ثقة من أن إحسانكم لن يضيع عند الله، وستجنون منه ثمارا نافعة في الدنيا والآخرة بإذن الله.
نسأل الله أن يهدي والدك وأن يصلح حاله، وحالكم أجمعين.
والله أعلم.
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب