للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حكم العمل في البنوك في غير أقسام الربا، والعمل عند مَنْ مصدر ماله فيه حرام

[السُّؤَالُ]

ـ[أعمل كموظف استشاري للرهن في بنك " أتش أس بي سي " في بريطانيا، ووظيفتي هي أنني أقوم بالتبيين للناس ما هو أفضل نسبة للربا، وما هو أفضل طريقة للرهن، أعرف أن هذا الأمر حرام , لكني سألت إمام المسجد عندنا فقال لي: " ابق في عملك حتى تجد عملا آخر "، فهل أستطيع أن أعمل في قسم الأمانات حيث إن المعاملات هناك شرعية , أم هذا يعد مساعدة على الإثم والعدوان؛ ذلك لحرمة البنوك ككل؟ . فهل أعمل معلِّما في مدرسة، مع العلم أن المدارس أيضاً تستدين المال، وتأخذ القروض؟ ، وما حكم من أخذ المال الحرام دون أن يعلم بحرمته؟ يعني: رجل ماله كله بالحرام مثل الخمر، والربا، وغيره , وأراد أن يشتري طعاماً من أحد المطاعم , فهل يكون المال الذي دفعه ثمناً للطعام حرام في حق البائع صاحب المطعم؟ وما حكم جمعيات، أو منظمات الزكاة التي تقوم بطلب الزكاة من أموال الناس , ولا يوجد عندها فكرة عن حل أو حرمة المال الذي يأتيها؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

أولاً:

البنوك الربوية مؤسسات قامت على معصية هي من كبائر الذنوب، وهي الربا، فلا يجوز لأحدٍ من المسلمين إعانتها بشيء يقويها على عملها، ولا يجوز لأحدٍ أن يكون موظفاً فيها، ولو في قسم لا يباشر الربا المحرَّم؛ لأن المؤسسة تقوم على جميع موظفيها، وكافة أقسامها، وفي ذلك دعاية لها وتقوية لها، ومساعدة لها على التعامل بالربا.

وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء:

هل يجوز للإنسان العمل في بنك يتعامل بالربا، مع أنه لا يقوم في البنك بعمل ربوي، ولكن دخل البنك الكلي ربا؟ .

فأجابوا:

"لا يجوز لمسلم أن يعمل في بنك تعاملُه بالربا، ولو كان العمل الذي يتولاه ذلك المسلم في البنك غير ربوي؛ لتوفيره لموظفيه الذين يعملون في الربويات ما يحتاجونه، ويستعينون به على أعمالهم الربوية، وقد قال تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) " انتهى.

الشيخ عبد العزيز بن باز، الشيخ عبد الرزاق عفيفي، الشيخ عبد الله بن غديان، الشيخ عبد الله بن قعود.

" فتاوى اللجنة الدائمة " (١٥ / ٤١) .

وانظر جواب السؤال رقم: (٢٦٧٧١) وفيه تحريم جميع أنواع الأعمال في البنوك، ولو كان الموظف سائقاً، أو حارساً، كما فيه بيان أنه لا فرق بين دولة مسلمة وكافرة في هذا الأمر.

واعلم أنه لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها، فلا تطلب رزقك بما حرَّم الله عليك، فاحرص على اللقمة الطيبة الحلال، والكسب المبارك المشروع، ولو تأخر حصولك على العمل المباح، وهذه الدنيا دار ابتلاء وامتحان، فاحرص على النجاح فيها؛ لتكسب أعلى وأرفع الدرجات في الآخرة.

وانظر – للمزيد حول هذا – جواب السؤال رقم: (١١٠٥٥٧) .

ثانياً:

يجوز لك العمل في مدرسة – موظفاً، أو مدرِّساً – ولو كانت المدرسة تقترض قروضاً ربوية.

وقد عرف اليهود بالربا، والرشوة، وأكل السحت، ولم يمنع هذا عليّ بن أبي طالب من العمل عندهم.

قال ابن قدامة رحمه الله:

"ولو أجَّر مسلمٌ نفسَه لذميٍّ لعملٍ: صحَّ؛ لأن عليّاً رضي الله عنه أجَّر نفسَه مِن يهوديٍّ يستقي له كل دلو بتمرة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فلم ينكره" انتهى.

" المغني " (٤ / ٣٣٣) .

ثالثاً:

المال الحرام قسمان: حرام لذاته، كالمال المغصوب والمسروق، وحرام لكسبه، وهو ما يكسبه من يعمل في مكان محرَّم، أو يتاجر فيما لا يحل له.

فالمال المحرَّم لذاته يجب إرجاعه إلى صاحبه، ولا يجوز لمن علم أنه مغصوب أو مسروق أن يبيع به شيئا لسارقه، فإذا علم البائع أن المشتري سيشتري بالمال الذي سرقه فلا يجوز له أن يبيع له شيئاً.

أما المال المحرم لكسبه فهو حرام على من اكتسبه بطريق محرم فقط، أما من انتقل إليه هذا المال بطريق مباح، فلا حرج عليه من الانتفاع به، كمن أخذه على سبيل الهدية، أو أجرة على عمل مباح، أو ثمن شيء باعه له ... ونحو ذلك.

وعليه: فإذا كان المال حراماً لذاته: فلا يجوز لصاحب المطعم أن يبيع شيئاً لمن يشتري بذلك المال، وإذا لم يعرف حال المال الذي مع المشتري: فليس عليه شيء لو باعه، وليس من شرع الله تعالى سؤال المشترين من أين لك هذا المال، وكيف اكتسبته؟

وإذا علم صاحب المطعم أن المال الذي مع صاحبه كان كسبه له محرَّماً: جاز له بيع الطعام له من غير حرج.

ومثله يقال في الجمعيات التي تأخذ الزكاة من الناس، فما علمت أنه محرم لذاته لم تأخذه ابتداء، أو تأخذه وترده لأصحابه إن كانوا معلومين، أو تأخذه وتنفقه في وجوه الخير المتنوعة، إن لم يمكن رده إلى أصحابه، وما لم تعلم عن حاله: فالأصل براءة ذمة الناس، وأنهم يملكون ما في أيديهم من المال، وخاصة من جاء ليبذل زكاته، ولا يشرع لتلك الجمعيات أن تسأل المتصدقين عن مصدر الأموال التي يتصدقون بها.

والله أعلم

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>