يعمل في مكان غير طاهر فهل يمسح قدميه ويصلي جالساً؟!
[السُّؤَالُ]
ـ[أعمل في مكان غير طاهر مع غير المسلمين، ولا يوجد مكان للصلاة بالشكل الصحيح، أو الوضوء، كغسل القدمين – مثلاً -، فهل يجوز الصلاة جالساً، والمسح على القدمين؟ علماً أني حاولتُ ذلك لكن تمت العملية بدون الخشوع أو حتى اللذة الإيمانية المرجوة، الأمر الذي أشعر به حين أصلي في البيت، أو المسجد! . وما سبب فتور الرغبة في الصلاة حين أكون في البيت؟ وهل لزوجتي الحق في حثي على الصلاة؟ . أفيدوني، جزاكم الله خيراً.]ـ
[الْجَوَابُ]
الحمد لله
أولاً:
اعلم أنه ينبغي أن يكون العمل الذي تعمل فيه مباحاً، فاحذر أشد الحذر من الكسب المحرَّم من عملٍ محرَّم، وإنما دعانا لقول هذا: ما ذكرتَه من كون المكان غير طاهر، وإذا كنتَ تعمل في مطعم: فاحذر من طبخ الخنزير، أو الميتة، أو أن يكون المطعم يقدِّم الخمور.
وانظر جواب السؤال رقم: (١٢٥١١٨) .
ثانيا:
لا يحل لمسلم أن يتيمم مع وجود الماء المقدور على استعماله، ولا أن يمسح على قدميه مع قدرته على غسلهما.
وعليك أخي السائل أن تحتاط لوضوئك، وأن لا تفرِّط فيه، ويمكنك الوضوء قبل مجيئك للعمل، كما يمكنك مغادرة العمل من أجل الوضوء، والصلاة، والمهم: أن عليك بذل الأسباب التي تتمكن من خلالها من القيام بالوضوء.
وإذا كان الأمر يتعلق بغسل الرجلين فقط: فإننا نفيدك بحلَّين شرعيين:
١. المسح على الجوارب، ويكون ذلك بتوضئك وضوءًا كاملاً في بيتك، ثم تلبس الجوربين على تلك الطهارة، ولك أن تمسح عليهما يوماً وليلة، وهكذا تصنع كل يوم.
٢. غسل الرجلين غسلاً خفيفاً، وهو ـ عند بعض أهل العلم ـ معنى المسح، على قراءة الجر، في لفظة (وَأَرْجلكُم) الواردة في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) المائدة/ من الآية ٦.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -:
ولفظ الآية لا يخالف ما تواتر من السنَّة؛ فإن المسح جنس تحته نوعان: الإسالة وغير الإسالة، كما تقول العرب: " تمسحت للصلاة "، فما كان بالإسالة فهو الغسل، وإذا خص أحد النوعين باسم الغسل فقد يخص النوع الآخر باسم المسح، فالمسح يقال على المسح العام الذي يندرج فيه الغسل ويقال على الخاص الذي لا يندرج فيه الغسل.
" منهاج السنة " (٤ / ١٧٢) .
وقال:
وفي ذِكر المسح على الرجلين تنبيه على قلة الصب في الرجل فإن السرف يعتاد فيهما كثيراً.
" منهاج السنة " (٤ / ١٧٤) .
فأصبحت الحلول المتوفرة لديك كثيرة، وهو ما يقطع عذرك في عدم الوضوء، أو عدم غسل الرجلين، فكن على تنبه مما ذكرناه آنفاً.
ثالثا:
لا يجوز لك صلاة الفريضة جالساً مع قدرتك على القيام؛ فإن القيام من أركان الصلاة المتفق عليها بين أهل العلم، وصلاتك جالساً مع تلك القدرة: يجعل صلاتك باطلة.
وانظر جواب السؤال رقم: (٦٧٩٣٤) .
وعليك ـ أخي المسلم ـ الاهتمام بصلاتك أعظم من اهتمامك بعملك وباقي شئون دنياك؛ فإن الدنيا لا تغني عن الآخرة شيئاً، ولا بدَّ لك من العمل على الأسباب التي تمكنُّك من الصلاة قائماً، ومن الصلاة على بقعة طاهرة؛ لأن هذا أيضاً من شروط صحة الصلاة، وإذا لم يوجد مكان طاهر في مكان عملك: فاخرج لغيره من الأماكن الطاهرة، ولا تفرِّط في أحكام الصلاة؛ فقد أمرك الله تعالى بإقامتها، ومن إقامتها: القيام بأركانها، وشروطها، وواجباتها.
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله -:
لقد شرع الله سبحانه وتعالى الطهارة لكل صلاة؛ فإن رفع الحدث، وإزالة النجاسة - سواء كانت في البدن، أو الثوب، أو المكان المصلَّى فيه -: شرطان من شروط الصلاة.
" فتاوى الشيخ ابن باز " (١٢ / ٢٣٥) .
رابعاً:
من عادة الناس في بيوتهم أن ينشغل المرء بالأهل والأولاد، ومتطلبات الحياة، لذا فإن من يصلي في بيته يشعر بالفرق الكبير العظيم بينه وبين الصلاة في بيت من بيوت الله، وإنه ليجد من النشاط في المسجد ما لا يجده في البيت، ومن أسباب ذلك غالباً:
١. الصلاة في المسجد جماعة، الصلاة منفرداً في البيت.
٢. سماع القرآن من غيره في المسجد، والسماع أبلغ من القراءة في التأثر.
٣. عدم وجود ملهيات البيت في المسجد، من أهل، وأولاد، وضوضاء.
٤. ولا شك أن من يكون في ضيافة الله تعالى في بيته، ليس حاله كمن ليس كذلك.
خامساً:
ما تقوم به زوجتك ـ بارك الله فيها ـ من حثك على إقامة الصلاة، وأدائها في وقتها، وجماعة في المسجد: ليس فقط حقا لها، بل هو واجب عليها تجاهك؛ وقد أثنى نبينا صلى الله عليه وسلم على من توقظ زوجها لصلاة الليل، فكيف يكون الثناء لو كان ذلك حثّاً على صلاة الفرض؟! .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنْ اللَّيْلِ فَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ) .
رواه أبو داود (١٣٠٨) والنسائي (١٦١٠) وابن ماجه (١٣٣٦) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود ".
قال شمس الحق العظيم آبادي – رحمه الله -:
والمراد: التلطف معها، والسعي في قيامها لطاعة ربها، مهما أمكن، قال تعالى: (وتعاونوا على البر والتقوى) ، وقال ابن الملِك: وهذا يدل على أن إكراه أحدٍ على الخير يجوز، بل يُستحب.
" عون المعبود " (٤ / ١٣٥، ١٣٦) .
وأخيراً:
نشكر لك اهتمامك بالصلاة عمود الدين، وحرصك على معرفة أحكامها، وحرصك على أدائها كما شرعها الله تعالى، ونوصيك خيراً بها، وأن تظل على صلة بربك بصلاتك خاصة، وعموم طاعتك، واشكر لزوجتك حرصها على دينك، وعلى عدم التسبب بسخط الله، فمثل هذا الفعل منها يدل على قوة دين، ورجاحة عقل.
والله أعلم
[الْمَصْدَرُ]
الإسلام سؤال وجواب