للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هل يطيع والده في ترك بعض سنن الصلاة؟

[السُّؤَالُ]

ـ[يأمرني والدي، وبإلحاح، أن أترك رفع اليدين قبل الركوع وبعد الركوع؛ فهل أطيعه في ذلك، أم ماذا علي فعله؟]ـ

[الْجَوَابُ]

الحمد لله

لا شك أن رفع اليدين قبل الركوع وبعده من السنن المؤكدة في الصلاة.

روى البخاري (٧٣٥) ومسلم (٣٩٠) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ.

وروى البخاري في جزء "رفع اليدين" (ص ٨) عن الحسن قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كأنما أيديهم المراوح يرفعونها إذا ركعوا وإذا رفعوا رؤوسهم ".

وعن حميد بن هلال قال: " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلوا كأن أيديهم حيال آذانهم المراوح ".

قال البخاري: " فلم يستثن الحسن وحميد بن هلال أحداً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم دون أحد " انتهى.

وقد ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ إِلَى أَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ، فَيَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَى حَذْوِ مَنْكِبَيْهِ كَفِعْلِهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الإِْحْرَامِ، لِتَضَافُرِ الأَْحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي ذَلِكَ.

وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الأَْوْزَاعِيُّ وَعُلَمَاءُ الْحِجَازِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ.

"الموسوعة الفقهية" (٢٣ / ١٣٠)

وإذا كان الأصل في حق المسلم أن يحافظ على هذه السنة الراتبة في أفعال الصلاة، فيرفع يديه في هذه المواضع دائما، كالذي صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فإن تعارض إشكالية الوالد مع ذلك يوجب بعض التأني في الأمر؛ وذلك أن بر الوالد، وطاعته ـ في غير معصية ـ واجبة، فينبغي تأليف قلبه، واستصلاح نفسه، والتلطف في تعليمه سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في ذلك، إن كان جاهلا به، والنقاش العلمي الهادئ معه في ذلك، إن كان عنده إلمام بالمسألة.

وإلى أن يسكت الوالد عنك، إما باقتناع منه، وتوفيق من الله له بمعرفة السنة، واتباعها، فالذي ننصحك به ألا تغضب والدك، وألا توصل الأمر بينكما إلى نوع من التحدي والمكابرة والشقاق، بل عليك بالرفق معه، واللين في تعليمه ودعوته، ولو اقتضى الأمر منك ترك هذه السنة في بعض الأوقات التي تصلي فيها في حضور والدك؛ فتترك الرفع أحيانا، تأليفا لقلبه، واستصلاحا لنفسه، ويرجى لمن ترك المستحب بهذا القصد، أن يثيبه الله تعالى على ما ترك.

قَالَ الإمَامُ أَحْمَدُ ـ فِي رِوَايَةِ هَارُونَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ ـ فِي غُلَامٍ يَصُومُ وَأَبَوَاهُ يَنْهَيَانِهِ عَنْ الصَّوْمِ التَّطَوُّعِ:

" مَا يُعْجِبُنِي أَنْ يَصُومَ إذَا نَهَيَاهُ، لَا أُحِبُّ أَنْ يَنْهَاهُ يَعْنِي عَنْ التَّطَوُّعِ ".

وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ ـ فِي رَجُلٍ يَصُومُ التَّطَوُّعَ، فَسَأَلَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ يُفْطِرَ. قَالَ:

" يُرْوَى عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: يُفْطِرُ وَلَهُ أَجْرُ الْبِرِّ وَأَجْرُ الصَّوْمِ إذَا أَفْطَرَ".

وَقَالَ ـ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ مُوسَى ـ:

إذَا أَمَرَهُ أَبَوَاهُ أَنْ لَا يُصَلِّيَ إلَّا الْمَكْتُوبَةَ؟

قَالَ:

" يُدَارِيهِمَا وَيُصَلِّي ". انتهى.

"الآداب الشرعية" (٢/ ٣٧) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

"ولو كان الإمام يرى استحباب شيء والمأمومون لا يستحبونه، فتركه لأجل الاتفاق والائتلاف: كان قد أحسن ... " انتهى.

"مجموع الفتاوى" (٢٢/٢٦٨) .

وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:

هل يجوز ترك الجهر بالتأمين في الصلاة، وعدم رفع اليدين؟

فأجاب:

" نعم، إذا كان بين أناس لا يرفعون، ولا يجهرون بالتأمين: فالأولى أن لا يفعل؛ تأليفاً لقلوبهم، حتى يدعوهم إلى الخير، وحتى يعلمهم، ويرشدهم، وحتى يتمكن من الإصلاح بينهم، فإنه متى خالفهم استنكروا هذا؛ لأنهم يرون أن هذا هو الدين، يرون أن عدم رفع اليدين فيما عدا تكبيرة الإحرام، يرون أنه هو الدين، وعاشوا عليه مع علمائهم، وهكذا عدم الجهر بالتأمين، وهو خلاف مشهور بين أهل العلم، منهم من قال يجهر، ومنهم من قال: لا يجهر بالتأمين، وقد جاء في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم رفع صوته، وفي بعضها أنه خفض صوته، وإن كان الصواب أنه يستحب الجهر بالتأمين، وهو شيء مستحب، ويكون ترك أمراً مستحبّاً، فلا يفعل مؤمن مستحبّاً يفضي إلى انشقاق، وخلاف، وفتنة، بل يترك المؤمن المستحب، والداعي إلى الله عز وجل، إذا كان يترتب على تركه مصالح أعظم، من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك هدم الكعبة وبناءها على قواعد إبراهيم، قال: (لأن قريشا حديثو عهد بكفر) ، ولهذا تركها على حالها، ولم يغير عليه الصلاة والسلام للمصلحة العامة " انتهى.

" فتاوى الشيخ ابن باز " (٢٩ / ٢٧٤، ٢٧٥) .

والخلاصة:

أن الواجب عليك أن تسعى في استصلاح نفسك أبيك، والرفق به، ولو أدى ذلك إلى ترك رفع اليدين في الصلاة، أو نحو ذلك من ترك بعض المستحبات، خاصة ما اختلف أهل العلم في استحبابه وعدمه، فلا بأس بذلك، وبإمكانه أن يحصل شيئا مما فاته، برفع اليدين، وفعل المستحب، حيث لا يراه الوالد.

والله أعلم

راجع إجابة السؤال رقم: (١٢١٩٩) ، (١١١٢٢٣) .

[الْمَصْدَرُ]

الإسلام سؤال وجواب

<<  <  ج: ص:  >  >>